اهلا وسهلا بك من جديد زائر آخر زيارة لك كانت في مجموع مساهماتك 85 آخر عضو مسجل Amwry فمرحباً به


اذهب الى الأسفل
السفير
السفير
عضو متميز
عضو متميز
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 640
المزاج : حزين
العمر : 36
تاريخ الميلاد : 08/08/1988
النقاط : 1026
العمل : رئيس مؤسسة الشباب للتنمية والابداع
MMS : الشخصيـــة Mms-32

هام الشخصيـــة

الثلاثاء أغسطس 02, 2011 11:42 pm


ما الشخصية سؤال يضعنا أمام دواتنا هو طريق للانفتاح على عالمنا الداخلي المغلق وهو أيضا سؤال بمثابة خارطة طريق للاستكشاف مجاهيل الذات الإنسانية
شكلت لحظة سقراط ، لحظة خاصة في تاريخ الفكر الإنساني والفلسفي ، من حيث الدعوة إلى معرفة الإنسان من خلال استعادة العبارة المنحوته في معبد دلفى " أيها الإنسان أعرف نفسك بنفسك " وتحويلها إلى رؤية فلسفية، بدعوته للانفتاح على بواطن الإنسان، وفتح النوافذ الموصدة على العمق الإنساني المنسي والمهمل، هي رغبة في تحويل الإنسان المجهول إلى إنسان معلوم ،و على اعتبار أن دراسة البشر أسمى من دراسة الحجر، هذا الانشغال هو ما عبر عنه موريس بلوندل إذ لا يكفي أن تأتي بالإنسان إلى مدرسة الفيلسوف، إنما الأهم هو أن تأتي بالفيلسوف إلى مدرسة الإنسان، حيث تصبح الفلسفة إنسانية .
نستحضر خصوصية هذه الثقافة الجديدة من خلال موضوعة الشخصية لنورد هذا السؤال الافتتاحي ما هي الشخصية ، ما طبيعتها ؟ وما أنظمة بناءها ؟
وإن كان البحث في هذا الموضوع هو عملية تتسم بالصعوبة وبالتعقيد نظرا لتعدد المقاربات والتصورات الفلسفية والعلمية المؤطرة له .
المحور الأول : الشخصية أنظمة بنائهــا.
يمكن مقاربة مفهوم الشخصية انطلاقا من مقاربتين :
مقاربة فلسفية : من حيث النظر إلى الشخص / الذات كأساس لبناء الشخصية.
مقاربة علمية : من حيث النظر إليها باعتباره بناء نظريا، ونموذجا تفسيريا ( فهم السلوك الإنساني من خلال البحث عن النظام المتحكم في سلوك الفرد، سواء النظام النفسي الاجتماعي ، الثقافي...، نحول هذا الاهتمام والانتقال إلى سؤال مركزي : ما طبيعة الشخص؟ وما جوهره ؟ وما طبيعة الشخصية ؟ وما هو النظام المتحكم في بنائها ؟
1-1 - المقاربة الفلسفية : اعتبار الشخص هو أساس بناء الشخصية .
ثمة حكمة يونانية منحوتة في معبد دلفي " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك" ، ثم استعادتها وتحويلها إلى انشغال فلسفي بدءا من لحظة سقراط، ودعوته إلى إنزال الفلسفة من السماء ، وجعلها فلسفة إنسانية ، يكون الإنسان موضوعها وهدفها، [ دراسة البشر أسمى من دراسة الحجر].
[ الاهتمام للإنسان بدل الآلهة ]

هذه الانتقال استمر على امتداد الخطاب الفلسفي الكلاسيكي، فمعرفة الإنسان لذاته، وشخصه تبدأ من إدراكه لجسده ، كخصوصية بيولوجية يصبح الجسد نقطة التعرف على الذات، على اعتبار أن الجسد هو نقطة انغراس الإنسان في هذا العالم على حد تعبير نتشه .
اعتبار الجسد نقطة انطلاق لتحديد ماهية الإنسان، ومعرفتها ... أن كان هذا لا يعني اعتباره المحدد الوحيد لإنسانية الإنسان، إذ تعددت الدعوات إلى اخذ الحيطة من الجسد، والنظر نظرة احتراس وأن الجسد ممر أساسي لمعرفة حقيقة الإنسان ، من خلال البحث عما هو خالد وجوهري فيه ما دام الجسد زائلا وفانيا، التخلص من حمق الجسد [ أفلاطون ، سقراط ]
أمام انحلال الجسد وما ديته لا يمكن اعتباره جوهرا مميزا للإنسان ، لذا طرح السؤال الأساسي حول ماهية الإنسان الحقيقة ما دام الجسد لا يملك إمكانية الخلود [ سقراط – أفلاطون ، أرسطو ، الفارابي ، ابن سينا ، ديكارت ] كل هؤلاء الفلاسفة عبروا عن عدم الثقة بالجسد لتحديد ماهية الإنسان والنظر إلى الإنسان ليس كجسد إنما كذات عاقلة مفكرة ، هو ما أكده ارسطو ، كل من لا يفكر فهو آلة في يد من يفكر .
فالنزعة الكلاسيكية في مختلف تجلياتها تنطلق من النظرة الإيجابية للإنسان باعتباره ذاتا تملك إرادة ومعرفة وقدرة لا محدودة للتحكم في الواقع والسيطرة عليه ، حيث النظر إلى الإنسان كذات تملك وعيا معرفيا وسلطة على واقعها [ ديكارت ] أو كذات تملك وعيا أخلاقيا، تملك سلطة توجيه السلوك دون الحاجة إلى توجيه أو إرشادات من الكنيسةكانت ، أو كذات تملك حرية لا مشروطة، ما دام جوهر الإنسان حرية حسب سارتر .
رؤيـــــة ديكــــــارت :
فالإنسان في نظره كائن حر، عاقل وصاحب إرادة قوية، يتوصل إلى الحقيقة دون وساطة الجسد وحواسه وتمثلاته، فحقيقة الإنسان هي كونه جوهر/مفكر، والإنسان المفكر / الكوجيطو هو الحقيقة الأولى والأساسية والتي تبنى عليها الحقائق . فلسفة ديكارت هي فلسفة الذات العاقلة التي تجعل العالم يمثل أمامها مثولا وحضورا شفافا عبر عملية تأملية و فكرية ، بحيث تصبح الذات العاقلة هي مقياس كل شيء ، أنها هي التي تحدد لكل شيء مقاسه وقيمته ، هذه الصورة الرومانسية للإنسان تتأكد مع كانت حيت يصبح الانسان سيد اخالقه ،
رؤيـــــة كانت :
الأساس الذي يقوم عليه الشخص في نظر كانت هو أساس أخلاقي ، حيث يعرف كانت الشخص هو الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها ، والشخصية الأخلاقية ليست شيئا أخر غير حرية كائن عاقل في حدود ما تسمح به القوانين الأخلاقية، فالإنسان في نظر كانت وان كانت له طبيعته مزدوجة [ بيولوجي ، ثقافي ]، وإن كان ينتمي إلى مملكة الضرورة الطبيعة بجسده ، فهو ليس كالحيوان يعيش وجوده من خلال غرائزه، وإنما هو كائن يتحكم في غرائزه ويوجهها توجيها أخلاقيا ما دام هو كائن أخلاقي للاعتبارات الآتية :الإنسان كذات عاقلة وأخلاقية هي مصدر تشريع للقوانين الأخلاقية ذات الطابع العالمي ما دامت الأخلاق تحمل قيما كونية،و لامتلاكه لمبدأ الكرامة، فهو غاية في ذاته وليس وسيلة أو سلعة قابل للتقويم والتسعير، حيث يجسد للإنسان قيمة خارجية ان قبلنا بمبدأ أن الإنسان كائن عاقل فقط، والاحتكام إلى معيار العقل التقنو– أداتي [ أجر المهندس ليس هو أجرة عامل النظافة ]
لذا رفض كانت النظر إلى الإنسان من زاوية عقلية صرفة كما تصور ذلك ديكارت .
لذا يؤكد كانت أن أساس الإنسان في كونه يحمل وعيا أخلاقيا ويملك التقدير الذاتي والإحساس بالحرية والكرامة المسؤولية وهذه الصفات [ العقل – الحرية – المسؤولية ] هو الأساس الذي يجعله الإنسان يملك قيمة ذاتية، والإحساس بالكرامة وليس قيمة خارجية وإنما هي قيمة ذاتية يحملها الإنسان مادام إنسانا، فاعتبار الإنسان كشخص أو كذات تحمل عقلا أخلاقيا عمليا معناه تجاوزمبدا التسعير، حيث يتصرف باعتباره قيمة في ذاته، وليس وسيلة لتحقيق غايات الآخرين [ قيمة الكرامة ] هذه القيمة تجعل الأخريين ملزمين باحترامه، ما دام يتصرف كإنسان وكممثل للإنسانية، يجب عليه احترام ذاته، وكذا احترام جميع القوانين الأخلاقية كما لو كان هو واضعها، فالإنسان هو سيد سلوكه ، مادام كانت أخلاقيا يلتزم بالأخلاق ويدافع عنها، إذا جعلت من نفسك دودة ، وداستك الأقدام ، فلا تلمن الناس (مثل صيني )
هذه الصورة التمجيدية للإنسان وقدرته الخلاقة وحريته للامحدودة ، هذه الصورة هي خير تعبير عن الصورة الجميلة للإنسان بما يستتبعها من مستلزمات أخلاقية كدعوة إلى عدم اضطهاد الإنسان وعدم استغلاله والرفع من كرامته .
1-2 المقاربـة العلميــة :
النظر إلى الشخصية كبنية معقدة ودينامية تتفاعل في تحديدها عوامل بيولوجية نفسية، اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، مما يطرح السؤال حول أولوية أي النظام المحدد للشخصية، هل هو النظام البيولوجي ، أم النظام النفسي ، أم النظام الاجتماعي الثقافي ؟
إن الدراسة العلمية لموضوع الشخصية يعني تجاوز الرؤية الفلسفية التي تنظر إلى الإنسان كذات عاقلة، فاعلة، حرة ولها كرامة، وبالتالي اعتبار الشخصية مجرد نظام أو موضوع للدراسة .
•المقاربة البيولوجية : Jean-Pierre Changeux
يدعو Jean-Pierre Changeux عالم بيولوجيا الأعصاب إلى الدراسة العلمية للسلوك الإنساني والابتعاد عن الدراسات وتصورات الفلاسفة وعلماء اللاهوت، فهو يعتبر أن كل نشاط عقلي إنساني كيفما كان سواء كان تفكيرا أو اتخاذ قرار أو انفعالا أو شعورا أو وعيا بالذات، هو عبارة عن نشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا، حيث الخلايا العصبية هي التي تستجيب للمؤثرات الخارجية، فالصور العقلية هي موضوعات مادية محددة بفعل خريطة دينامية للخلايا العصبية، وفق هذه المقاربة تتم دراسة السلوك الإنساني من خلال العوامل البيولوجية والوراثية وإغفال دور البيئة والمحيط .
• المقاربة النفسيـة :
إذا كان علم النفس بدراسة الجانب النفسي في الإنسان أي كل ما يصدر عن العضوية من سلوكات وأفكار وأحاسيس بإرجاعها إلى أصل نفسي، نسجل تعدد واختلاف مدارس علم النفس لمقاربة مفهوم الشخصية- باعتباره الموضوع الرئيسي في الدراسات النفسية – من حيث الرؤية والتصور، وان كان الإقرار أن النظام النفسي للفرد يتحدد كبنية مترابطة ودينامية تحدد استجابات الفرد داخل محيط ما، فقد شكل النظام النفسي موضوعا أساسيا في الخطاب السيكولوجي باتجاهاته المتباينة ( الاتجاه الشعوري، الاتجاه السلوكي والتحليل النفسي ) كيف تمثلت هذه الاتجاهات موضوع الشخصية ؟
• المدرسة السلوكية :
يحتل مفهوم السلوك مكانة مركزية في التحليلات السلوكية فهو الموضوع العملي والمفضل نظرا للخصائص الاتية :
قابليته للقياس، إمكانية تحليله إلى أجزاء، إمكانية قياسه، إمكانية ضبط الشروط المؤدية إلى ظهوره وبالتالي التحكم في إعادة خلق نفس الشروط وينظر إلى السلوك باعتباره استجابة لمثير معين حيث يصبح السلوك الإنساني عبارة عن نسق من الأفعال الانعكاسية المرتبطة بمثيرات معينة، ويتحقق السلوك نتيجة عملية الاشتراط كطريقة لإقامة علاقة شرطية بين المثير والاستجابة، هكذا تصبح السلوكية مدرسة لدراسة السلوك الإنساني كشيء له نفس خصوصيات الظاهرة الطبيعية ، ينظر البعض أن السلوكية ذات نزعة ترويضية للإنسان .
المدرسة الشعورية : برجسون 1941 - 1859
بالنسبة للشعورية الموضوع المفضل لدراسة الشخصية هو الشعور، والنظر إلى الحياة النفسية كتيار غير منقطع وانسيابي بخلاف الظواهر المادية كظواهر كمية يمكن ملاحظتها وقياسها مادامت قابلة للمشاهدة والمعاينة، أما الظواهر النفسية فهي ظواهر كيفية فريدة لا تتكرر هي انبعاث من الباطن هي تجدد مستمر وهي ديمومة لا تحتمل رجوعا إلى الوراء، لذا في نظر برجسون يستحيل دراسة الظاهرة الإنسانية دراسة تجريبية ووصفية مادامت غير قابلة للوصف أو التعبير عنها لذا أفضل منهج لدراستها هو منهج الاستبطان أو التأمل الذاتي، حيث ترك الفرصة للفرض ليعبر عن أحاسيسه بشكل تلقائي كما يعيشها هو .
مدرسة التحليل النفسي :
لحظة فرويد، حسب التوسير شكلت الصدمة السيكولوجية للفكر الغربي، حسب فرويد فدينامية الفعل الإنساني تكمن في اللاشعور، وليس في الشعور أو الوعي كما كان يعتقد من قبل ، ما هو حقيقي لا يكمن في دائرة الوعي، أن ما يعنيه الإنسان ليس حقيقيا، لذا اعتقد أن حقيقة الشخصية تكمن في منطقة اللاشعور، الذي يتكلم في غفلة من الناس لذا دعا إلى تعلم لغته من أجل فهمه، إذن المهمة الأساسية للتحليل النفسي هي تفسير السلوك الإنساني من خلال الأحلام وزلات القلم واضطرابات الشخصية من أجل الوصول إلى بنية اللاشعور المحدودة للحياة النفسية .
لذا شبه فرويد شخصية الإنسان بجبل مغطى بالثلج لا تظهر منه إلا القمة / الشعور أما الجانب الخفي فهوا لا شعور ، وقد نظر إلى الذات نظرة بنيوية تتشكل من ثلاث مناطق نفسية متفاعلة فيما بينها وطبيعة العلاقة التفاعلية بين المناطق الثلاث هو ما يحدد نمط الشخصية وطبيعتها .
1- الهو : القطب الحيوي في الشخصية
وهو منبع الطاقة البيولوجية، وهو مستودع الدوافع الفطرية والرغبات المكبوتة، فهو خزان الطاقة الحيوية / اللبيدو فهذا الجزء من النفس يعمل وفق مبدأ اللذة، ولا يخضع للعمليات المنطقية ولا للقيم الأخلاقية يبحث عن الإشباع الفوري وإلا مشروع، وهو ما يؤدي إلى الصراع مع العالم الخارجي ومع القيم المجتمعية، لذا يعمل الهو على البحث عن منفذ للاتصال بالعالم الخارجي وعن طريق الاحتكاك تتراجع منطقته وفق عملية تغاير السطح لتتشكل منطقة الأنا .
2- الأنا القطب الدفاعي للشخصية :
بفعل الاحتكاك مع الواقع وعن طريق عملية التماهي تتكون منطقة الأنا باعتباره ذلك الجزء من الهو الذي تغير نتيجة تأثير العالم الخارجي، فألانا يعمل وفق مبدأ الواقع ، المنطق ، النظام وهدفه هو الحفاظ على المصالح الشخصية وله اتصال مباشر بالعالم الداخلي الهو وبالعالم الخارجي الواقع .
لذا فهو محصور بين دوافع ألهو ورقابة الأنا الأعلى ورقابة الأخلاق ، فهو مطالب إذن بصناعة التوازنات وتوافقات أي إشباع الرغبات دون إثارة حفيظة الأنا الأعلى ، لذا يؤكد فرويد أن الأنا القوية هي التي تتمتع بالدهاء الديبلوماسي .
ومن خصائص الأنا اختيار الواقع ودراسته، التنسيق الزمني للعمليات المنطقية والعقلية، التكيف مع الواقع، والإشباع المراقب للغرائز، التخفيف من حدة التوتر واللجوء إلى بعض الوسائل الدفاعية في حالة الفشل عن الإشباع الفعلي .
الأنا الأعلى : قطب المراقبة
يتكون الأنا الأعلى عن طريق عملية التماهي مع الوالدين والمربين عن طريق ما يسميه فرويد بعملية استدماج الممنوع الأسري، وأفول عقدة أوديب، حيث الطفل يبدأ في التخلي عن رغباته الأوديبية ويضم الأنا الأعلى ثلاث مكونات : المراقبة الذاتية ، الضمير الأخلاقي والمثل العليا .
في البدء يكون الطفل كائنا لا أخلاقيا يتصرف وفق مبدأ الإشباع واللذة، حيث لا وجود لعمليـات الكف (1) لكن مع التربية والتنشئة الاجتماعية يبدأ الطفل في كبت والتحكم في بعض الرغبات الغير المسموح بها اجتماعيا.
نظر فرويد إلى الشخص كبنية دينامية تتحـدد بفعل طبيعة العلاقة القائمة بين مكونـات الـذات ( الأنا، الهو، الأنا الأعلى ) ، حيث يكون الأنا هو المركز الحقيقي للصراع وكل خلل في هذه العلاقة يؤدي إلى ظهور اضطرابات الشخصية وبالتالي نشوء شخصية مرضية عصابية (2) .
المقاربة الاجتماعية :
إن التفكير في البعد الاجتماعي للشخصية يجعل نطرح سؤالين ، كيف يرتبط الفرد بالمجتمع وكيف يمكن تفسير مسائلة تعدد أنماط الشخصية داخل المجتمع الواحد؟
إذا كان الخطاب السيكولوجي ينظر إلى الشخصية من خلال النظام النفسي فإن الخطاب السوسيولوجي سيؤسس تصورا جديدا لدراسة الشخصية انطلاقا من البعد الاجتماعي المحيط بها ، وفق القاعدة التي رسخها اميل دوركايهم : تفسير الاجتماعي بالاجتماعي، فالشخصية داخل هذا الخطاب ينظر إليها كبناء نظري لسلوكات نمطية ترتبط بمحددات المجتمع وسلطة مؤسساته، صناعة إنسان اجتماعي، على اعتبار أن الظاهرة الاجتماعية ظاهرة قهرية ،والفرد مطالب بالامتثال بمؤسسات المجتمع، لذا فالهدف من التربية هو كيف يحافظ المجتمع عن توزانه وانسجامه، يؤكد دوركايهم أن الترحيب بالصغار ليس حبا فيهم وإنما حتى لا يصبحوا عناصر خطيرة على المجتمع، فالتربية والتنشئة الاجتماعية في نظر دوركايم لها هدف توحيد الجماعات داخل بناء وطني موحد وفق نموذج تربوي منشود، فجوهر التربية إذن هو إدماج سليم ومراقب للأطفال أي تحويل النشء من كائنات الا اجتماعية إلى كائنات اجتماعية تتشرب خصوصية وقيم وثقافة وقوانين مجتمعها، وتحافظ عليها وهو ما يسميه دوركايهم بالضمير الخلقي باعتباره موروث الأمة والمجتمع غير قابل للقسمة، أو التوزيع وليس حكرا للمجموعة على أخرى فعملية التنشئة الاجتماعية هي صناعة الكائن الاجتماعي فلكي يستمر المجتمع تتم التضحية بالفرد وخصوصياته، مادامت الظاهرة الاجتماعية ظاهرة قهرية وعمومية، فرغبة دوركايهم في الاستقرار الاجتماعي محكومة برؤية وظيفية أي الرغبة في الاستقرار بعد موجة الفوضى التي عاشتها فرنسا بعد أحداث الإرهاب الأبيض .
• تصور بيير بورديــــو
أسس بورديو رؤية مغايرة للعلاقة بين الفرد والمجتمع، حيث يحافظ الفرد على بعض الاستقلالية، ويعتبر مفهوم الابيتوس مفهوما مركزيا في سوسيولوجية بورديو باعتباره مجموع الشروط التي تحكم الفرد في علاقته بالمجتمع، كما يعتبر المحرك لكل سلوكاته وتصرفاته، فالفرد يتصرف وفق ما يمليه عليه الحقل الاجتماعي (3) الذي ينتمي إليه وبحسب الرأسمال المملوك وهو ما يعني أن الابيتوس (4) كمفهوم يعني أن الفرد يستبطن كل ما ينتمي إلى مجتمعه حيث يتم تحويل ما هو خارجي وجعله داخليا عن طريق عملية الاستبطان، فالفرد تترسخ لديه كل البنيات الاجتماعية من عادات وتقاليد وقيم بالتالي يتحول الفرد من فاعل إلى مجرد وكيل يحمل ويدافع عن قيم مجتمعه، عموما فممارسات الأفراد ووفق منطق الابيتوس محكوم وفق العمليات الآتية : تحويل المنظومات والقيم إلى مؤسسة لا يمكن الخروج عنها وتكريس شرعية الطبقة المسيطرة مع ضمان تواطؤ الخاضعين لها .
• تصور رالف لنتـــــون
يؤكد لينتون على أن المجتمع يعمل على إشباع حاجات الفرد ،وهو في نفس الوقت يعمل على ترسيخ نماذج ثقافية وقيمه ومعتقداته الموروثة. وعن طريق التنشئة الاجتماعية يتم نقل هذه القيم والنماذج وترسيخها عند الأفراد من خلال الاستجابة لحاجاتهم الخاصة، وفي نفس الوقت أسره عن طريق صنارة التنشئة الاجتماعية فإشباع الجوع مثلا يرتبط باستجابة اشباعية مقبولة من طرف المجتمع، ومتلائمة مع نماذجه الثقافية، على اعتبار أن ما يميز الإنسان هو خاصية القابلية للتعلم حيث يتم تحويل نزوات الفرد الفطرية أو كبتها أو تعديلها بطريقة مقبولة اجتماعيا كأساس لتكوين أفراد اجتماعيين لكن المجتمع وفق صنارة التنشئة لا يعمل على خلق نماذج بشرية نمطية ومتشابهة وإنما يحاول أن يؤسس نمطين للشخصية أساسية ووظيفية، الشخصية الأساسية حيث يتصرف الأفراد وفق ثابت بنيوي موحد وشامل يحدد أنماط السلوك والاستجابة، أما الشخصية الوظيفية فهي نتيجة لتعقد المجتمعات وتعدد الأدوار الاجتماعية حيث المجتمعات المفتوحة والمتقدمة تسمح بظهور سلوكات تطبعها النزعة الفردية المرتبطة بطبيعة النشاط المزاول داخل المجتمع ، فالشخصية الوظيفية التي يؤديها الأفراد تساعد على حسن سير المجتمع وهو ما يسمح باستيعاب مختلف الوظائف والأدوار الاجتماعية .
المحور الثاني : الشخص ودوره في بناء شخصيته :
إن الانتقال من الاهتمام بالإنسان كذات أو شخص / البعد الإنساني إلى الاهتمام به كموضـوع/ البعد العلمي يعني الرغبة في دراسة الإنسان دراسة علمية كموضوع في أفق معرفته والتحكم فيه، على أساس أن المعرفة سيطرة، هذه الرغبة في التحكم والسيطرة ارتبطت بالتحولات التي عرفتها أوربا وخاصة الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بحركة التصنيع، والحركات السياسية ذات الطابع الثوري ، ولد الرغبة في فهم الإنسان من أجل التحكم فيه. يقول اوجست كونت إنك تدرس لكي تضبط لذا تم العمل على تحويل الإنسان إلى مفهوم، من داخل هذه الرؤية نحاول فهم طبيعة الإنسان بين الحرية الفردية والحتمية الاجتماعية، هذا الإشكال تؤطره رؤيتان متغايرتان : علمية وفلسفية .
1- موقف العلوم الإنسانية :
النظر إلى الإنسان كموضوع وكبناء نظري لا دور له في بناء شخصيته، ما دامت الشخصية محكومة باكرا هات وحتميات بيولوجية، نفسية، اقتصادية، اجتماعية حيث لم يعد الإنسان في إطار العلوم المسماة الإنسانية هو تلك الذات الحرة والفاعلة والمبدعة والعاقلة، بحيث لم يعد هو سيد أفعاله وسيد في الطبيعة نستحضر مقولة بيكون كنا عبيدا للطبيعة بجهلنا وأصبحنا سادة عليها بعلمنا، زمن السيادة لم يدوم طويلا خاصة بعد الصدمات الكبرى ، الكونية ، البيولوجية ، والنفسية مع لحظة فرويد حيث الإنسان لم يعد سيدا حتى في بيته، ووعيه بذاته هو وعي مغلوط. إذن فمع التحليل النفسي فقدت الذات مركزيتها وسيادتها ولم تعد الذات تملك زمام أمرها إذن نحاول الاقتراب من هذا التصور ذو النزعة الحتمية حيث الحرية الإنسانية مجرد وهم مادام الإنسان محكوم بسلسلة من الحتميات :
- حتمية نفسية :
حقيقة الإنسان تكمن في ألا شعور، فالإنسان موجود مادام لا يفكر، والوعي هو وعي زائف والشعور هو نتيجة لعمل الاشعور، وهو ما يعني أن اللاشعور هو المحرك الأساسي للشخصية، وبالتالي تصبح الذات هي التي تجهل ذاتها / لا شعورها . فالتحليل النفسي نظر إلى الإنسان باعتباره أداة فيزيولوجية تحركها قوتان غريزة الحياة وغريزة الموت، وهو ما يعني أن الإنسان خاضع لحتمية سيكولوجية وبيولوجية والشخص محصور بين رغبات الهو وإكراهات الواقع وصرامة الأنا الأعلى، وهو يتصرف وفق مبدأ الموازنة وليس وفق مبدأ الاختيار . فمثلا الإنسان لا يختار وإنما اختياره محكوم بإشباع رغبة مكبوتة ، كما تؤكد المدرسة السلوكية : تؤكد أن هناك صناعة للإنسان وفق آلية الاشراط حيث لا مكان للميول والعواطف والرغبات والمواهب وفق تأكيد واطسون حيث من مجموعة أطفال يتم إنتاج الطبيب والمهندس والمجرم بغض النظر عن الميول وكذا مهنة الأباء .
-حتمية اجتماعية :
فالظاهرة الاجتماعية في نظر دور كايهم ظاهرة قهرية وعمومية حيث تتم صناعة إنسان، لا نولد أناسا بل نصبح كذلك عن طريق ترسيخ القيم الاجتماعية في ذهن الفرد، وتحويله من كائن لا اجتماعي فيزيولوجي إلى كائن اجتماعي، وتتمظهر خصوصية الفرد الاجتماعية من خلال احترام خصوصية مجتمعه وكل خروج عن ثقافة المجتمع تقابل بالعقاب أو الزجر والإدانة . كما نجد علماء اللغة وخاصة اللسانيون البنيويون يؤكدون أن الفرد غير حر في اختيار لغته مادامت اللغة مؤسسة اجتماعية تفرض على الإنسان احترامها إن أراد الانتماء إلى جماعته اللسانية وهو ما أكده جاكوبسون أن اللغة تحدد ما نقوله أكثر مما تسمح بقوله ، هذه الرؤية الحتمية لطبيعة الإنسان حيث الفرد محكوم بسلسلة من الحتميات والاكراهات النفسية والاجتماعية والبيولوجية وكذا الاقتصادية عبرت عنه الرؤية البنيوية، من حيث النظر إلى الذات الإنسانية كنموذج نظري مجرد غير حسي من أجل فهم ودراسة الظاهرة الإنسانية ، على اعتبار أن الحقيقة دائما خفية ومختبئة كما أكد ذلك ستراوت وتتحدد خصوصية الاتجاه البنيوي في إلغاء الذات أذابتها داخل البنية في إطار حتمية مطلقة خلافا للفلسفة الوجودية التي تنظر إلى الذات كذات حرة، والتأكيد على أن مفهوم الحرية مجرد أمل ووهم وهي تعبير عن جهل بالحتميات ومقتضيات البنية، وكذا جعل الإنسان في خدمة النظام والنسق ، مع إعطاء أسبقية للعلاقة والقانون على حساب العناصر ، فليس المهم من يملأ الخانة مادام الأهم هو الخانة بذاتها بتعبير ألتوسير ، هكذا تتحدد الملامح الكبرى للاتجاه البنيوي من حيث الدعوة إلى إلغاء الحرية الفردية وجعل الإنسان محكوم بحتميات بنيوية انه مجرد حامل لبنيات وليس صانعها أم متحكم فيها فالفاعل هو البنية أما الفرد ما هو إلا منفعل داخل هذه البنية .
• التصــور الوجـــودي
أسست الفلسفة الوجودية ( كيركجارد – جاسبرز – باردييف- وسارتر) رؤية مغايرة للإنسان ، حيث النظر إليه ككائن حر، مريد، مسؤول ، عن أفعاله واختباراته، وبالتالي تهدف الوجودية إلى تحرير الإنسان مما هو عقلي ومن سجن العقلانية، ومن ضغوط الاكراهات الاجتماعية والاقتصادية، وتتأسس الوجودية على أساس الوجود يسبق الماهية، والإقرار بالحرية، والمسؤولية والعلاقة المتوترة مع الأخر.
• سارتر نموذجا :
الوجودية من فلسفة الذات المسؤولة في بداياتها مع كبير كجارد، وغابرييل مارسيل، وكارل جاسبرز، قد اتخذت شكلا صوفيا كتجربة وجودية ذاتية، حيث الذات تعيش تجربة القلق والالم داخل ذاتها ( الذات المونادية )، غير أن لحظة سارتر شكلت لحظة النضج في منح الاتجاه الوجودي نسقه الخاص، باعتباره رؤية خاصة للوجود وللإنسان .
تتحدد رؤية سارتر للإنسان من خلال التمييز بين شكلين من أشكال الوجود :
- الوجود في ذاته : وهو وجود الأشياء والموجودات الغير الواعية وبالتالي الغير الحرة، التي لا تملك مشروعا خاصا بها: مثلا الدراجة كموجود في ذاته لا يملك وعيا خاصا ، من تم لا تملك حرية في التغيير والتطور، لا يمكن أن تتطور إلى سيارة أو الى دراجة نارية ...
- الوجود لذاته : الشكل الانطولوجي المميز للوجود الإنساني ، فالإنسان موجود لذاته، أي أنه يوجد أولا ثم يحدد مشروعه، واختياراته كوجود / مشروع مستقبلي وكارتماء في المستقبل Projet .
لنا فجوهر الإنسان هو حرية واختيار، اختيار ما يكون عليه ، مادام ليست له هوية سابقة ومحددة سابقة / الاتجاه الالحادي في فلسفة سارتر ورفض القدرية والجبرية ..)
يقول سارتر " ليه هناك حتمية، الإنسان حرية، إننا وحيدون بدون أعذار، وهذا ما سأعبر عنه بقولي أن الإنسان محكوم عليه أن يكون حرا " (5) .
فالإنسان موجود في الطبيعة تسحقه قوى الطبيعة، لذا مشروعه هو الإمساك بهذه التوى بحرية. وبواسطة مشروعه الخاص الذي هو الإمساك بهذه القوى، فالشخص ذات حرة ومسؤولة عن أفعالها، مادام الإنسان محكوم عليه أن يحمل كل هموم العالم على كثفيه بحسب سارتر، فالإنسان موجود لذاته له مشروعه الخاص حيث لا هوية ثابتة ولا وجود لقالب اجتماعي ولا لصنارة اجتماعية، ما دام جوهر الإنسان حرية ، فلا مجال للتدخل فيه أو التحكم في اختياراته وشخصيته بشكل تعسفي .
فالأفعال الإنسانية هي أفعال تصدر عن ذات حرة ومسؤولة ، مما يعني أن الذات لا تملك بناء نفسيا نهائيا ومغلقا، بل هي في تكون وبناء مستمرين ما دامت هي مشروع في طور البناء والارتماء نحو المستقبل كمشروع .
ينبغي أن نسجل تذبذب موقف سارتر حول مفهوم حرية الإنسان، في مؤلفه الوجود والعدم يميل إلى النزعة الجبرية مؤكدا " أنت لست حرا في الإفلات من مصير طبقتي وامتك .. ولا حتى في هزم الشهوات أكثر تفاهة ) .
إشارة فقط أن قراءة سارتر يصعب تنميطها والنظر إليها من خلال لحظة واحدة من حياته ومن خلال مؤلف واحد .



1) هو عدم إشباع الرغبات وصدها وتحويلها إلى مكبوتات
2) هي الشخصية الغير القادرة على التكيف مع واقعها بسبب الاختلال في بنائها النفسي من خلال ضغط وكثر المكبوتات .
3) الحقل هو نسق من وضعيات مختلفة وهو فضاء للصراع بين مختلف الفاعلين فيه
4) الابيتيس هو مجموعة من الشروط التي تحكم علاقة الفرد بالمجتمع وهو محرك وموجه لتصرفات الأفراد.
5) مدرات الحداثة ، مقالات في الفكر المعاصر، منشورات عكاض ص 77
سارة3
سارة3
عضو متميز
عضو متميز
عدد المساهمات : 1445
النقاط : 3856

هام رد: الشخصيـــة

الأربعاء أغسطس 03, 2011 7:11 am
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى