ما معنى التضحية بنظرة سيدنا يسوع المسيح.

مفهوم "التضحية" لغةً ولاهوتًا

ضَحّى في اللغة من الضُّحى بالقَصْرِ والضَّحاء بالفتح والـمَدّ، والضُّحَى حين تطلع الشمس فيصفو ضوءُها. وضَحى بالشّاة ذبحها ضُحى النَحْرِ، وقد تُستعمل التضحيةُ في جميعِ أوقات أيام النَّحرِ. والضّحيّة ما ضحّيتَ بهِ وهي الأُضحِيَة أي موضوع التضحية، وهي أيضًا الأَضحاةُ وجمعُها أضحىً ومنها جاءَ عيدُ الأضحى عندَ المسلمين.

كانت التّضحية معروفةً في عالم الإنسانِ منذُ القِدَم، ومع نشأة الأديان عرفَ الإنسانُ فعلَ التضحية وموضوعها أي الأضحية. فكانت الأضاحي بشرًا وحيوانًا ونباتًا على السّواء (الحيوان والنبات في قصّة قايين وهابيل). وتشهد على التّضحية بالأطفال حفريّات أثريّة كثيرة، ومنها ما كانَ لدى الفينيقيّين، وهذه العادة انتقلتْ إلى اليهوديّة في نشأتها واختلاطها ببقيّة الأمم. نجدها لدى بعض ملوك يهوذا مثل آحاز بن يوتام (2 ملوك 16: 3)، ومنسّى (2 ملوك 21: 6).

إنَّ تمدّن الإنسان شيئًا فشيئًا ونموّ وعيه لذاتِه والآخر قاداه إلى طرح مفهوم آخر للإنسان مفصول عن بقيّة الكائنات المحيطة به. وهذا المفهوم طوّر بدورِه مفهوم الأضحية في اليهوديّة وقد سبقَ أن وجدناه سليمًا مع الخليل إبراهيم الذي منعه الربّ أن يضحّي ببكره اسحق وقدّم له كبشًا بدلَه! وبهذا يلغي الربّ الأضحية البشريّة في معناها الوثنيّ ويمنعها منعًا تامًّا، وبها أيضًا يدلّ على معنى التضحية الكامل، التضحية بالبكر الوحيد الخالي من العيب من أجلِ التعبير عن الإيمان التامّ الخالص الـمُجرّد من أيّ تعلّق.

وهذا ما كانَ مع الابن الوحيد يسوع المسيح، حيثُ بذلَه الآب أضحيةً عن جميع البشر! فباسحق البكر الوحيد دلَّ إبراهيم على التضحية بكلّ غالٍ وثمين للتأكيد على إيمانه بالله، وبيسوع البكر الوحيد دلَّ الآب على محبّةٍ خالصة تامّة نحو جميع البشر.

بالمسيح يسوع اكتمل مفهوم التضحية ومعنى الأضحية، فلم تعدْ تضحيةً بالخيرات الزمنيّة فحسب، بل أيضًا بالذّات. وهكذا نجد الرّسلَ على خطا المعلّم الوحيد يضحّون بكلّ شيء، بكلّ غالٍ ورخيص، وصولًا إلى جعل الذّات موضوعَ التّضحية، أضحيةً تامّة، من أجلِ رسالة الفداء ومن أجلِ أن يكتمل الإنسانُ في عطاءٍ كامل وحبّ لا متناهٍ وتضحية مستمرّة لا تجد معناها إلا في ذبيحة المسيح على الصّ

شكرا ثائر لموضوعك الرائع