- Maestroوسام التواصل
- الجنس :
عدد المساهمات : 587
المزاج : تمام
العمر : 32
تاريخ الميلاد : 29/07/1992
النقاط : 1584
العمل : مصمم من الدرجة الاولى
MMS :
الثوب الديمقراطي والاضطراب الآيديولوجي
الجمعة مايو 31, 2013 6:55 am
كثيرا مايتم طرح سؤال ، هل استطاعت الاحزاب الاسلامية ايجاد تعايش حقيقي
مع القيم الديمقراطية؟هل أجرت مراجعات لفكرها وايديولوجيتها ونظرتها
للديمقراطية؟
كل ماجرى من اشتراك لهذه الاحزاب في عملية التحول الديمقراطية وآلياتها في
العراق لايعني ان هناك تحولا جديا وحقيقيا على مستوى الفكر والايديولوجيا
والسلوك،اذ لم تجر الحركات الاسلامية هذا التحول في مشاريعها وبرامجها
السياسية.
بل التحول الذي نقصده، هو قبول هذه الحركات بالعملية الديمقراطية وآلياتها
واندراجها داخل العملية السياسية في عدد من الدول العربية.ولانعني بكل هذا
انها قد اصبحت احزاباً ديمقراطية.
واذا اقتصرت الديمقراطية على الانتخابات فقط تسمي الديمقراطية غير
الليبرالية, تمييزا لها عن الديمقراطية الليبرالية التي لا تقتصر على
مجرد الانتخابات, وانما تقوم اساسا على منظومة من الافكار والقيم
الليبرالية مثل قبول وجود الاخر المختلف, ونسبية الحقيقة, واحترام
الاغلبية للاقلية, وقبول الاقلية لحكم الاغلبية, وحريات الاعتقاد
والتعبير والاختلاف. وعندما اقتصرت الديمقراطية على الانتخابات فقط, اي
عندما كانت فيه من نوع الديمقراطية غير الليبرالية انتهت بصعود تيارات
فاشية, جرت البلاء على من انتخبوها.كما هو الحال في الانتخابات
الجزائرية 1998التي صعدت من خلالها جبهة الانقاذ،او الانتخابات الفلسطينية
اذ فازت حماس، او الانتخابات العراقية،فتسيدت الساحة فيها التيارات
الاسلامية التي لم تذكر الديمقراطية يوما في اي بيان لها.
وهذا مايؤكده فريد زكريا رئيس تحرير الطبعة الدولية لمجلة نيوزويك في كتابه
(مستقبل الحرية) والذي اثار جدلا كبيرا وثناء من قبل كبار الساسة
والباحثين الاميركان، اذ اهتم به هنتنغتون وهنري كيسنجر، وفكرة الكتاب كانت
على شكل دراسة نشرت عام 1997في مجلة فورين افيرز تحت عنوان الديمقراطية
غير الليبرالية،فهو يفرق هنا بين الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية غير
الليبرالية،ويرى «فريد زكريا» ان الديمقراطية غير الليبرالية هي
الديمقراطية التي تعطي الاسبقية للانتخابات قبل لافكار والقيم
الليبرالية. ومخرجات الديمقراطية غير الليبرالية هو حكم التسلطية
والشعبوية (Populism), ففي غياب الليبرالية يصل الي السلطة غير ديمقراطي
باسم الديمقراطية, وهذه اول اساءة للديمقراطية. وفي غياب الليبرالية
ايضا نصبح امام طغيان الاغلبية غير الديمقراطية لان اساس الديمقراطية هو ان
السلطة للاغلبية, وهذه ثاني اساءة للديمقراطية.
فهتلر صعد الى الحكم من خلال الانتخابات الديمقراطية.. وانتهت الديمقراطية في المانيا الى انتصار الفاشية النازية.
ويرى فريد زكريا ان على الغرب ان يفهم انه لا معنى للسعي للديمقراطية في
الشرق الاوسط الا اذا سبقه وقبل كل شيء السعي الى الليبرالية الدستورية.
وينبغي ان تسبق اية انتخابات قومية متعددة الاحزاب فترة انتقالية للاصلاح
السياسي وتنمية المؤسسات. فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات حرة.
تعدد الطرح وتجاهل الواقع
منذ التأسيس الأول للدولة العراقية في مطلع العشرينيات من القرن الماضي؛ لم
يكن هناك وعي حقيقي يحتضن كل مكونات الأمة العراقية فيعبر عن مصالحها
مجتمعة؛ وليس العمل لتأسيس ايديولوجيا تفتت الأمة او تزرع الفرقة والتشتت.
فبقت الأمة مشدودة الى واقع غير واقعها؛ مرة يقع في زمن مضى؛ وأخرى في
جغرافيا وتاريخ او ثقافة أخرى نقلت من هناك.هذه الايديولوجيات شكلت تشويها
لوعي الأمة.
هذا وغيره شكل شرخا كبيرا في وطنية الفرد وفي ارتباطه بأرضه ووطنه فاصبح
غريبا بلا هوية؛ حين ضاع بين الهويات ؛ او تجاذبته الهويات من كل حدب وصوب
فمرة الهوية الإسلامية وأخرى الهوية العربية ؛ اما هويته الوطنية الهوية
العراقية ؛ فقد سمي من يتسمى بها قطريا او إقليميا وأحيانا يسمى شعوبيا
واعتبر من اعداء الوحدة العربية ؛ على اساس ان من يلتزم او يتبنى الهوية
الوطنية يشكل ما يسمونه ( القومنة القطرية). من جانب آخر فان الفرد العراقي
وفي ظل هذه التجاذبات اخذ يحتمي بهويات فرعية من داخل الهوية العراقية او
لأحد مكوناتها ؛ مما شكل خطرا آخر على الهوية الوطنية حين يصبح هناك بديلا
عنها (العرقية والدينية والطائفية والقبلية ). فحين يختصر الوطن بطائفة او
قبيلة او دين ؛ يدخل من يبحث عن مصالحه في ظل الفرقة هذه ؛ وخصوصا الزعامات
التي لا تستطيع ان تجد لها مكانا إلا في ظل هذه الظروف. ونظرة متفحصة
للمشهد السياسي العراقي تعطينا كيف تشكل هذا المشهد ؛ فاكبر أحزابه هي
الأحزاب الطائفية والدينية والعرقية .
وفي ظل غياب الهوية الوطنية للأمة العراقية تصبح هذه الأحزاب أكثر حظا في
الانتخابات لأنها تجيد العزف على أوتار الفرقة ؛ ويخدمها في هذا ما تعرض له
الفرد من اضطهاد وتهميش وحرمان من المشاركة السياسية ؛ في سلطة احتكرت
الوطن والأمة والدولة في يد الأقلية ؛ وكل ما سلط على الفرد من ظلم جعله
يبحث عن هوية او مظلة يستظل بها فلم يجد إلا مظلة هويته الفرعية لان مظلة
الوطن والأمة مغتصبة ومحتكرة.
ان ماجرى بعد التاسع من نيسان(2003) مثل انفلاتا للقوى والمشاريع الكبرى
والصغرى التي كان يخنقها قمقم الاستبداد، وحين رفع غطاء هذا القمقم جرى
ماجرى، وحدث الالتفاف على العملية السياسية التي كانت تطمح ان تلبس الثوب
الديمقراطي على الرغم من كونه فضفاضا ولم يكن يتسع للواقع او يسعه هدا
الواقع، فتحول الحلم الى كابوس بعد ان تسيد الحراك السياسي من لم يكن يؤمن
في يوم من الايام بالديمقراطية وشرائطها، فكان الانقضاض شرسا على العملية
السياسية من قبل القوى التقليدية التي لم تزل تتمنطق بحزام الاستبداد
واسلحته، ولم تستطع ان تفارق المرحلة السرية التي عاشتها ومازالت تعيش على
برامجها ذات النظرة الفئوية الضيقة، والتي تجعلها غريبة على الحياة
الديمقراطية، بل شكلت عبئا وعائقا امام العملية السياسية والحياة
الديمقراطية المرجوة.
حين نقول الانقضاض على الديمقراطية او اختطافها فنـحن نتفق مع من يقول بهذا
حين يكون الكلام عن القوى التقليدية البعيدة عن الديمقراطية فكرا وسلوكا،
وركوب هذه القوى للديمقراطية كوسيلة لتحقيق غاياتها وليس غاية بحد داتها،
ومن هنا تحولت الديمقراطية لدى هذه القوى غاية تمكنها من الوصول الى
السلطة..وهكذا رأينا كيف ان القوى غير المدنية والتي استطاعت الانقضاض على
الديمقراطية واختطافها أشاعت أنساقها الثقافية والاجتماعية والتي تميزت
بروح الإقصاء للآخر وتهميشه.
وحين نقول بفقدان القوى الفاعلة في الحياة السياسية للبرنامج السياسي
والاجتماعي والاقتصادي، فهذا يعني ان هذه القوى كانت منفعلة بالواقع وليس
فاعلة فيه او متفاعلة معه، نتلمس هذا من خلال مواقف انفعالية عاطفية بعيدة
كل البعد عن العقلانية التي هي احد الأسس المهمة للحياة الديمقراطية، والتي
حاصرت الحياة السياسية، بل حصرتها في خانق ضيق، انطلق من قيم وثقافة
تقليدية قادت الى المحاصصات الطائفية والعرقية، وصعدت من التحشيدات في
الخنادق الطائفية والعرقية التي أصبحت بديلا عن الهوية الوطنية التي تجمع
تحت خيمتها كل المكونات العراقية.
ان روح الاستئثار والهيمنة التي تميزت فيها الكثير من المواقف، كانت تنطلق
من مواقف شعبوية أملتها المؤسسات التقليدية الطائفية والقبلية لما تملكه من
سلطة اجتماعية وسياسية ولاتنطلق من افق ستراتيجي يؤسس لهذا التغيير.،احزاب
بهذه المواصفات لم تعش في حياتها الداخلية الصيغ الديمقراطية، كيف لها ان
تقبلها في الحياة السياسية؟، فلو نظرنا الى القيادات المتنفذة داخل هذه
الاحزاب نراها هي هي منذ ثلاثين سنة او حتى خمسين سنة،أخذت تجدد (البيعة)
لقائد هذا الحزب او تلك الحركة، هذا ان كانت هناك بيعة او مؤتمرات،وحجة
القيادات في عدم عقد المؤتمرات هي ظروف العمل السري، والان وجدت هذه
القيادات ذريعة الظروف الأمنية،بل مازالت تعمل بعض القيادات باسمائها
الحركية. ومن هنا كانت سيطرة افراد بعينهم (اهل الحل والعقد) على كل
العملية السياسية، فكيف تقود احزاب غير ديمقراطية الحياة الديمقراطية
الجديدة ؟ ولان العملية السياسية منذ بداياتها جرت على وفق التكتلات
الفئوية، فقد جاءت الانتخابات لتصعد من المد العصبوي والتخندقات الفئوية
والعرقية تحت وقع البيانات والبرامج التعبوية بهذا الاتجاه، وغياب البرنامج
الوطني او تغييبه.
ولان الاحزاب والتكتلات الكبيرة بنيت على اسس ايديولوجية فئوية ابعدها عن ان تطرح برنامج وطني فبقيت محاصرة بفئويتها.
ان الفترة الطويلة التي عاشها العراقيون في ظل الرفض القاطع لقبول الشريك
في الحكم ورفض التداول السلمي للسلطة (واستمرارها في ايدي طرف واحد مفسدة
تقترب من الوهم ) بل احتكارها من خلال سياسة الحزب الواحد والقائد الواحد
افقرت الحياة السياسية والثقافة السياسية ومأسست الاستبداد داخل الحياة
السياسية والاجتماعية والثقافية العراقية.وتهميش قطاعات واسعة وكبيرة من
المجتمع وحرمانهم من فرص المشاركة في وضع السياسة العامة واتخاذ القرارات
ومتابعة تنفيذها، هذا اضافة الى الظروف الاقتصادية الصعبة في ظل حصار دام
ثلاثة عشر عاما اصبحت فيه الثقافة السياسية لدى المهمشين هي ثقافة لقمة
العيش التي جعلت من الناس لايهتمون بالموضوعات السياسية.
عزز هذا عزلة الاحزاب وعدم فعاليتها داخل المجتمع وحصول القطيعة بينها
وبينه،لان المجتمع كان يرى فيها نسخة مكررة من حزب السلطة السابقة نتيجة
لما كانت تمارسه هذه الاحزاب من هيمنة على كل شيء واستئثارها بالمناصب
والسلطة وعدم تقديم أي عون للمواطن الا اذا كان منتميا لهذا الحزب او ذاك،
هذا اضافة الى ان هذه الاحزاب بنت نفسها ليس على مستوى وطني شكلا ومضمونا
بل على وفق بنية فئوية (مناطقية او عشائرية او طائفية ) فسيطر على هذه
الاحزاب ابناء طائفة بعينها او ابناء عشيرة او عائلة او منطقة.ان غياب
الاحزاب السياسية عن المشهد الاجتماعي حول الوعي الاجتماعي الى وعي مزيف
يقف في طريق التغيير في كثير من الاحيان نتيجة توجية هذا الوعي من قبل قوى
متخلفة او قوى ترى في التغيير إضرارا بمصالحها، كل هذا أدى الى نمو اتجاهات
السلبية واللامبالات لدى المواطنين اتجاه الشأن العام. من هنا نقول ان
الديمقراطية لايمكن لها ان تعيش او يتم استنباتها في ارض يباب مليئة بادغال
الاقصاء والاستبداد والقمع ورفض التعدد في الرأي والفكر والمعتقد، بل لابد
من التاسيس لثقافة ديمقراطية تكون ذات فعالية واسعة اعلاميا وثقافيا من
اجل التاسيس لسلوك مقبول ومطلوب داخل الجسم الاجتماعي، وتقع المسؤولية
الكبرى في هذا المجال على مراكز البحوث ووسائل الاعلام وبقية مؤسسات
المجتمع المدني التي لابد ان تاخذ دورها في التاسيس لهذه الثقافة، وبدون
هذا يصبح الحديث عن التغيير الديمقراطي او عن الحياة الديمقراطية فاقدا
لمعناه، مهما اجرينا انتخابات او كتبنا دستورا او شكلنا برلمانا، حيث يبقى
كل هذا قشرة على السطح لاتعني شيئا.
مع القيم الديمقراطية؟هل أجرت مراجعات لفكرها وايديولوجيتها ونظرتها
للديمقراطية؟
كل ماجرى من اشتراك لهذه الاحزاب في عملية التحول الديمقراطية وآلياتها في
العراق لايعني ان هناك تحولا جديا وحقيقيا على مستوى الفكر والايديولوجيا
والسلوك،اذ لم تجر الحركات الاسلامية هذا التحول في مشاريعها وبرامجها
السياسية.
بل التحول الذي نقصده، هو قبول هذه الحركات بالعملية الديمقراطية وآلياتها
واندراجها داخل العملية السياسية في عدد من الدول العربية.ولانعني بكل هذا
انها قد اصبحت احزاباً ديمقراطية.
واذا اقتصرت الديمقراطية على الانتخابات فقط تسمي الديمقراطية غير
الليبرالية, تمييزا لها عن الديمقراطية الليبرالية التي لا تقتصر على
مجرد الانتخابات, وانما تقوم اساسا على منظومة من الافكار والقيم
الليبرالية مثل قبول وجود الاخر المختلف, ونسبية الحقيقة, واحترام
الاغلبية للاقلية, وقبول الاقلية لحكم الاغلبية, وحريات الاعتقاد
والتعبير والاختلاف. وعندما اقتصرت الديمقراطية على الانتخابات فقط, اي
عندما كانت فيه من نوع الديمقراطية غير الليبرالية انتهت بصعود تيارات
فاشية, جرت البلاء على من انتخبوها.كما هو الحال في الانتخابات
الجزائرية 1998التي صعدت من خلالها جبهة الانقاذ،او الانتخابات الفلسطينية
اذ فازت حماس، او الانتخابات العراقية،فتسيدت الساحة فيها التيارات
الاسلامية التي لم تذكر الديمقراطية يوما في اي بيان لها.
وهذا مايؤكده فريد زكريا رئيس تحرير الطبعة الدولية لمجلة نيوزويك في كتابه
(مستقبل الحرية) والذي اثار جدلا كبيرا وثناء من قبل كبار الساسة
والباحثين الاميركان، اذ اهتم به هنتنغتون وهنري كيسنجر، وفكرة الكتاب كانت
على شكل دراسة نشرت عام 1997في مجلة فورين افيرز تحت عنوان الديمقراطية
غير الليبرالية،فهو يفرق هنا بين الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية غير
الليبرالية،ويرى «فريد زكريا» ان الديمقراطية غير الليبرالية هي
الديمقراطية التي تعطي الاسبقية للانتخابات قبل لافكار والقيم
الليبرالية. ومخرجات الديمقراطية غير الليبرالية هو حكم التسلطية
والشعبوية (Populism), ففي غياب الليبرالية يصل الي السلطة غير ديمقراطي
باسم الديمقراطية, وهذه اول اساءة للديمقراطية. وفي غياب الليبرالية
ايضا نصبح امام طغيان الاغلبية غير الديمقراطية لان اساس الديمقراطية هو ان
السلطة للاغلبية, وهذه ثاني اساءة للديمقراطية.
فهتلر صعد الى الحكم من خلال الانتخابات الديمقراطية.. وانتهت الديمقراطية في المانيا الى انتصار الفاشية النازية.
ويرى فريد زكريا ان على الغرب ان يفهم انه لا معنى للسعي للديمقراطية في
الشرق الاوسط الا اذا سبقه وقبل كل شيء السعي الى الليبرالية الدستورية.
وينبغي ان تسبق اية انتخابات قومية متعددة الاحزاب فترة انتقالية للاصلاح
السياسي وتنمية المؤسسات. فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات حرة.
تعدد الطرح وتجاهل الواقع
منذ التأسيس الأول للدولة العراقية في مطلع العشرينيات من القرن الماضي؛ لم
يكن هناك وعي حقيقي يحتضن كل مكونات الأمة العراقية فيعبر عن مصالحها
مجتمعة؛ وليس العمل لتأسيس ايديولوجيا تفتت الأمة او تزرع الفرقة والتشتت.
فبقت الأمة مشدودة الى واقع غير واقعها؛ مرة يقع في زمن مضى؛ وأخرى في
جغرافيا وتاريخ او ثقافة أخرى نقلت من هناك.هذه الايديولوجيات شكلت تشويها
لوعي الأمة.
هذا وغيره شكل شرخا كبيرا في وطنية الفرد وفي ارتباطه بأرضه ووطنه فاصبح
غريبا بلا هوية؛ حين ضاع بين الهويات ؛ او تجاذبته الهويات من كل حدب وصوب
فمرة الهوية الإسلامية وأخرى الهوية العربية ؛ اما هويته الوطنية الهوية
العراقية ؛ فقد سمي من يتسمى بها قطريا او إقليميا وأحيانا يسمى شعوبيا
واعتبر من اعداء الوحدة العربية ؛ على اساس ان من يلتزم او يتبنى الهوية
الوطنية يشكل ما يسمونه ( القومنة القطرية). من جانب آخر فان الفرد العراقي
وفي ظل هذه التجاذبات اخذ يحتمي بهويات فرعية من داخل الهوية العراقية او
لأحد مكوناتها ؛ مما شكل خطرا آخر على الهوية الوطنية حين يصبح هناك بديلا
عنها (العرقية والدينية والطائفية والقبلية ). فحين يختصر الوطن بطائفة او
قبيلة او دين ؛ يدخل من يبحث عن مصالحه في ظل الفرقة هذه ؛ وخصوصا الزعامات
التي لا تستطيع ان تجد لها مكانا إلا في ظل هذه الظروف. ونظرة متفحصة
للمشهد السياسي العراقي تعطينا كيف تشكل هذا المشهد ؛ فاكبر أحزابه هي
الأحزاب الطائفية والدينية والعرقية .
وفي ظل غياب الهوية الوطنية للأمة العراقية تصبح هذه الأحزاب أكثر حظا في
الانتخابات لأنها تجيد العزف على أوتار الفرقة ؛ ويخدمها في هذا ما تعرض له
الفرد من اضطهاد وتهميش وحرمان من المشاركة السياسية ؛ في سلطة احتكرت
الوطن والأمة والدولة في يد الأقلية ؛ وكل ما سلط على الفرد من ظلم جعله
يبحث عن هوية او مظلة يستظل بها فلم يجد إلا مظلة هويته الفرعية لان مظلة
الوطن والأمة مغتصبة ومحتكرة.
ان ماجرى بعد التاسع من نيسان(2003) مثل انفلاتا للقوى والمشاريع الكبرى
والصغرى التي كان يخنقها قمقم الاستبداد، وحين رفع غطاء هذا القمقم جرى
ماجرى، وحدث الالتفاف على العملية السياسية التي كانت تطمح ان تلبس الثوب
الديمقراطي على الرغم من كونه فضفاضا ولم يكن يتسع للواقع او يسعه هدا
الواقع، فتحول الحلم الى كابوس بعد ان تسيد الحراك السياسي من لم يكن يؤمن
في يوم من الايام بالديمقراطية وشرائطها، فكان الانقضاض شرسا على العملية
السياسية من قبل القوى التقليدية التي لم تزل تتمنطق بحزام الاستبداد
واسلحته، ولم تستطع ان تفارق المرحلة السرية التي عاشتها ومازالت تعيش على
برامجها ذات النظرة الفئوية الضيقة، والتي تجعلها غريبة على الحياة
الديمقراطية، بل شكلت عبئا وعائقا امام العملية السياسية والحياة
الديمقراطية المرجوة.
حين نقول الانقضاض على الديمقراطية او اختطافها فنـحن نتفق مع من يقول بهذا
حين يكون الكلام عن القوى التقليدية البعيدة عن الديمقراطية فكرا وسلوكا،
وركوب هذه القوى للديمقراطية كوسيلة لتحقيق غاياتها وليس غاية بحد داتها،
ومن هنا تحولت الديمقراطية لدى هذه القوى غاية تمكنها من الوصول الى
السلطة..وهكذا رأينا كيف ان القوى غير المدنية والتي استطاعت الانقضاض على
الديمقراطية واختطافها أشاعت أنساقها الثقافية والاجتماعية والتي تميزت
بروح الإقصاء للآخر وتهميشه.
وحين نقول بفقدان القوى الفاعلة في الحياة السياسية للبرنامج السياسي
والاجتماعي والاقتصادي، فهذا يعني ان هذه القوى كانت منفعلة بالواقع وليس
فاعلة فيه او متفاعلة معه، نتلمس هذا من خلال مواقف انفعالية عاطفية بعيدة
كل البعد عن العقلانية التي هي احد الأسس المهمة للحياة الديمقراطية، والتي
حاصرت الحياة السياسية، بل حصرتها في خانق ضيق، انطلق من قيم وثقافة
تقليدية قادت الى المحاصصات الطائفية والعرقية، وصعدت من التحشيدات في
الخنادق الطائفية والعرقية التي أصبحت بديلا عن الهوية الوطنية التي تجمع
تحت خيمتها كل المكونات العراقية.
ان روح الاستئثار والهيمنة التي تميزت فيها الكثير من المواقف، كانت تنطلق
من مواقف شعبوية أملتها المؤسسات التقليدية الطائفية والقبلية لما تملكه من
سلطة اجتماعية وسياسية ولاتنطلق من افق ستراتيجي يؤسس لهذا التغيير.،احزاب
بهذه المواصفات لم تعش في حياتها الداخلية الصيغ الديمقراطية، كيف لها ان
تقبلها في الحياة السياسية؟، فلو نظرنا الى القيادات المتنفذة داخل هذه
الاحزاب نراها هي هي منذ ثلاثين سنة او حتى خمسين سنة،أخذت تجدد (البيعة)
لقائد هذا الحزب او تلك الحركة، هذا ان كانت هناك بيعة او مؤتمرات،وحجة
القيادات في عدم عقد المؤتمرات هي ظروف العمل السري، والان وجدت هذه
القيادات ذريعة الظروف الأمنية،بل مازالت تعمل بعض القيادات باسمائها
الحركية. ومن هنا كانت سيطرة افراد بعينهم (اهل الحل والعقد) على كل
العملية السياسية، فكيف تقود احزاب غير ديمقراطية الحياة الديمقراطية
الجديدة ؟ ولان العملية السياسية منذ بداياتها جرت على وفق التكتلات
الفئوية، فقد جاءت الانتخابات لتصعد من المد العصبوي والتخندقات الفئوية
والعرقية تحت وقع البيانات والبرامج التعبوية بهذا الاتجاه، وغياب البرنامج
الوطني او تغييبه.
ولان الاحزاب والتكتلات الكبيرة بنيت على اسس ايديولوجية فئوية ابعدها عن ان تطرح برنامج وطني فبقيت محاصرة بفئويتها.
ان الفترة الطويلة التي عاشها العراقيون في ظل الرفض القاطع لقبول الشريك
في الحكم ورفض التداول السلمي للسلطة (واستمرارها في ايدي طرف واحد مفسدة
تقترب من الوهم ) بل احتكارها من خلال سياسة الحزب الواحد والقائد الواحد
افقرت الحياة السياسية والثقافة السياسية ومأسست الاستبداد داخل الحياة
السياسية والاجتماعية والثقافية العراقية.وتهميش قطاعات واسعة وكبيرة من
المجتمع وحرمانهم من فرص المشاركة في وضع السياسة العامة واتخاذ القرارات
ومتابعة تنفيذها، هذا اضافة الى الظروف الاقتصادية الصعبة في ظل حصار دام
ثلاثة عشر عاما اصبحت فيه الثقافة السياسية لدى المهمشين هي ثقافة لقمة
العيش التي جعلت من الناس لايهتمون بالموضوعات السياسية.
عزز هذا عزلة الاحزاب وعدم فعاليتها داخل المجتمع وحصول القطيعة بينها
وبينه،لان المجتمع كان يرى فيها نسخة مكررة من حزب السلطة السابقة نتيجة
لما كانت تمارسه هذه الاحزاب من هيمنة على كل شيء واستئثارها بالمناصب
والسلطة وعدم تقديم أي عون للمواطن الا اذا كان منتميا لهذا الحزب او ذاك،
هذا اضافة الى ان هذه الاحزاب بنت نفسها ليس على مستوى وطني شكلا ومضمونا
بل على وفق بنية فئوية (مناطقية او عشائرية او طائفية ) فسيطر على هذه
الاحزاب ابناء طائفة بعينها او ابناء عشيرة او عائلة او منطقة.ان غياب
الاحزاب السياسية عن المشهد الاجتماعي حول الوعي الاجتماعي الى وعي مزيف
يقف في طريق التغيير في كثير من الاحيان نتيجة توجية هذا الوعي من قبل قوى
متخلفة او قوى ترى في التغيير إضرارا بمصالحها، كل هذا أدى الى نمو اتجاهات
السلبية واللامبالات لدى المواطنين اتجاه الشأن العام. من هنا نقول ان
الديمقراطية لايمكن لها ان تعيش او يتم استنباتها في ارض يباب مليئة بادغال
الاقصاء والاستبداد والقمع ورفض التعدد في الرأي والفكر والمعتقد، بل لابد
من التاسيس لثقافة ديمقراطية تكون ذات فعالية واسعة اعلاميا وثقافيا من
اجل التاسيس لسلوك مقبول ومطلوب داخل الجسم الاجتماعي، وتقع المسؤولية
الكبرى في هذا المجال على مراكز البحوث ووسائل الاعلام وبقية مؤسسات
المجتمع المدني التي لابد ان تاخذ دورها في التاسيس لهذه الثقافة، وبدون
هذا يصبح الحديث عن التغيير الديمقراطي او عن الحياة الديمقراطية فاقدا
لمعناه، مهما اجرينا انتخابات او كتبنا دستورا او شكلنا برلمانا، حيث يبقى
كل هذا قشرة على السطح لاتعني شيئا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى