- Maestroوسام التواصل
- الجنس :
عدد المساهمات : 587
المزاج : تمام
العمر : 32
تاريخ الميلاد : 29/07/1992
النقاط : 1584
العمل : مصمم من الدرجة الاولى
MMS :
اللغة المندائية اليوم
السبت أبريل 27, 2013 3:28 am
اللغة المندائية اليوم
ان
من يستخدم المندائية كلغة تخاطب حالياً هم فقط مندائيو ايران، فقد دأب
المندائيون في خوزستان (الأحواز) على الاستمرار بالتحدث بالمندائية فيما
بينهم الى يومنا هذا لكونهم محافظين اكثر ـ ان جاز التعبير ـ من المندائيين
في العراق، فهم اكثر تمسكا من اخوتهم في العراق بالطقوس وبالتالي اللغة
المندائية . فنتيجة لإهمال السلطة الأيرانية انذاك للمنطقة العربية التي
اصبحت تابعة لأيران فلم يتحول الكثير من ابناء المندائيين هناك الى التعليم
العالي كما حصل في العراق وبقى اكثرهم بعزلته، ونتيجة لهذه الأنعزالية
استمر صابئة ايران الى التحدث بلغتهم لحد الآن. ولكنهم اليوم يتمتعون في
ايران ببعض الحماية وقليل من الحقوق اذ سمح لهم بأقامة مندي (معبد) صغير في
الأهواز ومدرسة بسيطة لتعليم اللغة المندائية للأطفال، لكنهم، مع الأسف ،
مازالوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في الجمهورية الأسلامية حيث لا
يحق لهم تبوأ اي منصب رفيع في الدولة. ان تأثيرات اللغة الفارسية بدت تطغى
على كل من اللغة العربية والمندائية ، ضمن خطة تفريس المنطقة، وبتقديري
فأن اللغة المندائية في ايران ستتعرض الى ماتعرضت اليه في العراق. هناك
جهود عظيمة يقوم بها بعض ابناء الطائفة للحفاظ على تراثهم ازاء هذه
التحديات واخص بالذكر جهود رجل الدين المندائي سالم الكحيلي الذي يبذل كل
وقته في تصنيف وصيانة المخطوطات المندائية وتسجيل بعضها صوتيا، كما انه
اصدر كتابا مبسطا في القواعد المندائية ولكن باللغة الفارسية . وهي جهوداً
ضئيلة ،على اية حال، اذا ما قارناها بالمخاطر الجادة التي تهدد وجودها. ان
الجنوب العراقي الذي كان يضج باللهجات البابلية والمندائية والآرامية
والنبطية والعيلامية وغيرها قبل الأسلام قد تحول تدريجيا الى اللغة العربية
لأن اللغة العربية اضحت اللغة الرسمية للبلاد، والمندائية لم يكن نصيبها
افضل من غيرها في هذا المجال فتحول المندائيون كما تحول غيرهم، بسببب هيمنة
اللغة العربية ولأسباب كثيرة يطول شرحها هنا، الى اللغة العربية وتخلوا عن
لغتهم الأصلية.
ان من واجب المندائيين النهوض الآن من السبات الذي فرض
عليهم على مدى قرون عديدة والسعي بكل حزم لتشجيع اولادهم على الالتحاق
بالجامعات التي تدرس اللغات الآرامية والعبرية والأكدية من اجل بلورة نواة
لغوية وثقافية تؤدي الى احياء اللغة والتراث المندائي على حد سواء وعناصر
ديمومة كل من اللغة المندائية والتراث المندائي متوفرة، الا انها بحاجة
للدعم المادي والمعنوي ومحاولة احياء هذه اللغة سيساهم بلا ريب في اذكاء
جذوة البحث الأكاديمي . ان مسألة احياء اللغة المندائية هي مسألة مصير
ووجود للشعب المندائي لكون اللغة هي الهوية القومية والحضارية وهي من الأسس
التي يستند عليها وجود أي شعب حي، ولاحياة لأمة بدون لغة كما قيل. ولهذا
ينبغي على المندائيين انفسهم بالعمل مع الجهات ذات العلاقة في العراق
لصياغة القوانين التي تتيح لأبناءهم أن يتعلموا لغتهم الأم وان تتضمن هذه
القوانين في الدستور العراقي الجديد. ان احياء المندائية سيؤدي الى اغناء
حقيقي للتراث العراقي كله وانشاء مركز دراسات مندائية في العراق سيكون
بمثابة نقطة جذب للباحثين والأكاديمين لدراسة هذا الشعب الغنوصي العراقي
القديم الذي مازال مستمرا ليومنا هذا ، وستساهم المندائية في انتعاش
السياحة الدينية في العراق وسيتدفق الكثير من الذين يؤمنون بالمعمدانية وهم
بالملايين في كل انحاء العالم على العراق للاطلاع على طقوس التعميد وهي
تجرى من قبل رجال الدين المندائيين في النهر كما كان يفعل يهيا يوهانا
(يحيى بن زكريا) منذ اكثر من الفي عام.
والشعب المندائي شعب رافديني
قديم قائم بذاته له لغته ومعتقداته الخاصة وبقعته الجغرافية التي عاش عليها
الآف السنين وليس نتاجاً جانبياً لأية حضارة اخرى. وباعتبارهم آخر من تبقى
من الغنوصيين في العالم فالمحافظة عليهم وصيانة آثارهم هي مسألة تهم
الأنسانية جمعاء. لقد سلط عالم اللسانيـات الكبير رودولف ماسـوخ R. Macuch ـ
الذي ساهم في تأليف القاموس المندائي مع الليدي دراور ـ الضوء على اهمية
كل من اللغة والعقيدة المندائية بقوله: "ان موضوع تطور العقيدة المندائية
كان وما يزال السؤال الرئيسي الذي يواجه الباحثين في تاريخ الأديان ، وهذه
معضلة لايمكن حلها على الاطلاق مالم تتم دراسة الموروثات الفكرية والأدبية
المندائية وترجمتها وتقديمها بالشكل الصحيح."
صعوبة ترجمة النصوص المندائية :
ان
الترجمة من لغة قديمة وفك رموزها امر صعب للغاية خصوصا لأن اغلب هذه
النصوص محاط بغموض طقسي خاص، كما هو الحال مع كافة النصوص الغنوصية.
بالأضافة الى القواعد اللغوية التي تتباين وفقا لزمان الحدث ـ واقصد تصاريف
الأفعال خصوصاً وان المفاهيم اللغوية الموجودة في تلك النصوص قد مضى عليها
زمن طويل وليس من اليسر التوصل الى تفاسير لها ونحن بعقلية القرن الحادي
والعشرين . ان المترجم يضيع احيانا في متاهة صيغ الأفعال والأعادات
المتكررة للجملة الواحدة مع تغير مواقع الكلمات مثال على ذلك : "عند بوابة
منزل ابدوني / وضع عرش للجني / للجني وضع عرش / وأمامه وضع اناء / انه
ينادي على السحرة قائلا :-
تعالوا ،
اسقطوا في الإناء / تعالوا في الإناء اسقطوا / تعالوا كونوا على بينة من
انفسكم / على هذا ماكنتم انتم قد اقترفتم في العالم ." ومن الأسباب الأخرى
لصعوبة ترجمة النص يكمن في ان اللغة المندائية مدونة بشكل نص متصل غير
منفصل بنقاط او علامات تشير الى بداية ونهاية الجملة ناهيك عن الأخطاء
الاملائية والنحوية التي وقع بها النساخ. ومن العوائق المهمة التي تجابه
المترجم ايضا ان الكثير من هذه النصوص مكتوب بطريقة مشوبة بالغموض الخاص
بالاهوت الخلاصي للنفس (النشمتا) soterioligy بحيث لاتتيح لمن هو غير مخول
بفهمها، كما ان العديد من الطقوس يتم تناقلها شفاها من جيل الى جيل بين
رجال الدين وهذا يشكل عائق آخر نحو فهم هذه النصوص.
في الحقيقة ان اهمال
النساخ واخطائهم النحوية تضيف كثيراً الى الصعوبات التي تلاقي المترجم
وهنا تبرز الحاجة الى لجنة من الأكاديميين ورجال الدين المندائيين كي تقوم
بتحقيق هذه النصوص وطبعها بصيغها الصحيحة بعد ان تتم مراجعة ومطابقة النص
مع مصادر اخرى لنفس النص ان توفرت. ان الترجمة من المندائية القديمة تستدعي
استثمار الدراسات الحديثة في الترجمة و الاستفادة من التراث المندائي في
نقل المعلومة وان يكون المترجم على وعي تام بما سيتلقاه القارئ المندائي
وغير المندائي لأن الخطأ في نقل المفاهيم والمصطلحات قد يؤدي الى تشويه
النص نتيجة لتباين المعاني تبعا لمفهوم النص وزمانه خاصة وإن المخطوطات
المندائية تعود الى حوالي الفي سنة. وعلى العموم تبقى ترجمة هذه المخطوطات
والدواوين مغامرة على من ينوي خوضها ان يكون ملما باللغات ذات العلاقة
كالعربية والآرامية والعبرية والأكدية لوجود مفردات وقواعد نحوية مشتركة
بين هذه اللغات كما ينبغي عليه ان يكون ملماً بتاريخ وادي الرافدين ومنطقة
الهلال الخصيب والموروث الحضاري والأسطوري لهذه المنطقة امتدادا من حران
شمالا وحتى القرنة جنوبا حتى لا ينساق وراء الدلالة العربية لكلمة اسطورة
على انها خرافة بما تحويه من مدلولات سلبية على الترجمة في الفكر العربي.
وكل هذا يتطلب ، كما هو واضح ، لجنة من المختصين بهذه المجالات يعهد اليها
بترجمة الكتب المندائية.
ان اهمية اللغة المندائية تكمن في مايلي:
أولاً: ان المندائية هي اللغة العرفانية ـ الغنوصية - Gnosticالوحيدة التي استمرت الى يومنا هذا نتيجة لمأثورها الديني الضخم.
ثانياً: ان الكتب المندائية تشكل اكبر مكتبة غنوصية تم الحفاظ عليها من قبل المندائيين وصانوها من التلف والضياع .
ثالثا:
ان اللغة المندائية هي اللغة الوحيدة القادرة على تقديم الفكر العرفاني ـ
الغنوصي بشكله الحقيقي لما تحويه من بلاغة التعبير وثراء المعاني والصور.
لقد صان البعد الجغرافي للمندائيين وانعزاليتهم في بيئتهم الخاصة ادبيات
المندائيين من التأثيرات الهلنستية، مما جعل المندائيون اقل عرضة لأغراءات
ملائمة افكارهم بما يتوافق مع الفكر الغربي (اليوناني) الذي ساد لفترة
طويلة منطقة الشرق الأوسط بعد مجيء الأسكندر الأكبر، ولهذا يعتبر الأدب
المندائي الأدب الوحيد النقي من تلك التأثيرات ولهذا اهمية كبيرة لدى
المؤرخين وعلماء اللغات والأديان.
رابعا: ان الأدبيات المندائية تتمتع
بمثلوجية فريدة مكتنزة بالصور البلاغية الشعرية الغير موجودة في باقي
المعتقدات ولهذا فهي اللغة الوحيدة التي من خلالها يستطيع الدارسون النفاذ
الى الفكر والمعتقد الغنوصي العصي على الفهم احيانا.
خامساً: ان النصوص
المندائية لاتحتوي على اية تأثيرات او مفردات عربية فرضت عليها جراء الفتح
الأسلامي للعراق لأن اغلب هذه النصوص تعود الى تواريخ اقدم بكثير من الوجود
العربي في العراق.
سادساً: ان نظام الأصوات الكلاميةphonetics في اللغة
المندائية هو من اهم الظواهر الملفتة للنظر في الفيلولوجيا السامية ،
والسبب في ذلك يعود الى المرونة والسلاسة الفريدة التي يتمتع بها نظام
الأصوات الكلامية في اللغة المندائية مقارنة بمثيلاتها من اللغات السامية.
لقد أكد العالم الألماني الكبير ثيودور نولدكه N?ldke (1836م ـ 1930م) على اهمية كل من اللغة المندائية والتراث المندائي بقوله:
"
ان دراسة العقيدة المندائية والأدبيات المتعقلة بها ستؤدي بنا الى فهم
أكبر للمعتقدات الغنوصية التي انقرضت منذ زمن بعيد والى فهم تأثير
المندائية على من تزامن معها او من جاء بعدها من معتقدات وأديان."
خاتمة:
لقد
استغرق الوصول لصيغ مقبولة لترجمة الكتب المقدسة كالأنجيل (العهد القديم
والعهد الجديد) مثلا عن الآرامية واللاتينية قرونا عديدة واشترك في هذه
الترجمة خيرة علماء اللاهوت و اللسانيات المسيحيين واليهود الى ان جاءت
بهذه الصورة المتقنة التي نقرأها في الطبعات العربية. ان شروع المندائيين
بترجمة كتبهم المقدسة هو بادرة تستحق التقدير والتشجيع لأنها ستؤدي
بالنهاية الى اضاءة مجالات الا مُفكر فيه في التراث المندائي وستحفزهم
لتبني نقل كتبهم الدينية الى اللغة العربية ولاحقا الفارسية ـ لوجود جالية
مندائية كبيرة في أيران لا تجيد العربية ـ والأنجليزية ـ لأجيال المندائيين
التي ستنشأ في المهاجر ـ لكون المندائيين هم الأولى والأحق في استخلاص
مكنونات تراثهم ولغتهم وفك طلاسمها بدلا من تركها للمستشرقين الذين أفادوا
منها كثيرا في مجالاتهم الأكاديمية. والترجمة ليست بالمهنة الغريبة على
الصابئة المندائيين فقد برعوا فيها منذ القدم كما برعوا في العلوم والطب
والهندسة والفلك والشعر والصياغة .
ان
من يستخدم المندائية كلغة تخاطب حالياً هم فقط مندائيو ايران، فقد دأب
المندائيون في خوزستان (الأحواز) على الاستمرار بالتحدث بالمندائية فيما
بينهم الى يومنا هذا لكونهم محافظين اكثر ـ ان جاز التعبير ـ من المندائيين
في العراق، فهم اكثر تمسكا من اخوتهم في العراق بالطقوس وبالتالي اللغة
المندائية . فنتيجة لإهمال السلطة الأيرانية انذاك للمنطقة العربية التي
اصبحت تابعة لأيران فلم يتحول الكثير من ابناء المندائيين هناك الى التعليم
العالي كما حصل في العراق وبقى اكثرهم بعزلته، ونتيجة لهذه الأنعزالية
استمر صابئة ايران الى التحدث بلغتهم لحد الآن. ولكنهم اليوم يتمتعون في
ايران ببعض الحماية وقليل من الحقوق اذ سمح لهم بأقامة مندي (معبد) صغير في
الأهواز ومدرسة بسيطة لتعليم اللغة المندائية للأطفال، لكنهم، مع الأسف ،
مازالوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في الجمهورية الأسلامية حيث لا
يحق لهم تبوأ اي منصب رفيع في الدولة. ان تأثيرات اللغة الفارسية بدت تطغى
على كل من اللغة العربية والمندائية ، ضمن خطة تفريس المنطقة، وبتقديري
فأن اللغة المندائية في ايران ستتعرض الى ماتعرضت اليه في العراق. هناك
جهود عظيمة يقوم بها بعض ابناء الطائفة للحفاظ على تراثهم ازاء هذه
التحديات واخص بالذكر جهود رجل الدين المندائي سالم الكحيلي الذي يبذل كل
وقته في تصنيف وصيانة المخطوطات المندائية وتسجيل بعضها صوتيا، كما انه
اصدر كتابا مبسطا في القواعد المندائية ولكن باللغة الفارسية . وهي جهوداً
ضئيلة ،على اية حال، اذا ما قارناها بالمخاطر الجادة التي تهدد وجودها. ان
الجنوب العراقي الذي كان يضج باللهجات البابلية والمندائية والآرامية
والنبطية والعيلامية وغيرها قبل الأسلام قد تحول تدريجيا الى اللغة العربية
لأن اللغة العربية اضحت اللغة الرسمية للبلاد، والمندائية لم يكن نصيبها
افضل من غيرها في هذا المجال فتحول المندائيون كما تحول غيرهم، بسببب هيمنة
اللغة العربية ولأسباب كثيرة يطول شرحها هنا، الى اللغة العربية وتخلوا عن
لغتهم الأصلية.
ان من واجب المندائيين النهوض الآن من السبات الذي فرض
عليهم على مدى قرون عديدة والسعي بكل حزم لتشجيع اولادهم على الالتحاق
بالجامعات التي تدرس اللغات الآرامية والعبرية والأكدية من اجل بلورة نواة
لغوية وثقافية تؤدي الى احياء اللغة والتراث المندائي على حد سواء وعناصر
ديمومة كل من اللغة المندائية والتراث المندائي متوفرة، الا انها بحاجة
للدعم المادي والمعنوي ومحاولة احياء هذه اللغة سيساهم بلا ريب في اذكاء
جذوة البحث الأكاديمي . ان مسألة احياء اللغة المندائية هي مسألة مصير
ووجود للشعب المندائي لكون اللغة هي الهوية القومية والحضارية وهي من الأسس
التي يستند عليها وجود أي شعب حي، ولاحياة لأمة بدون لغة كما قيل. ولهذا
ينبغي على المندائيين انفسهم بالعمل مع الجهات ذات العلاقة في العراق
لصياغة القوانين التي تتيح لأبناءهم أن يتعلموا لغتهم الأم وان تتضمن هذه
القوانين في الدستور العراقي الجديد. ان احياء المندائية سيؤدي الى اغناء
حقيقي للتراث العراقي كله وانشاء مركز دراسات مندائية في العراق سيكون
بمثابة نقطة جذب للباحثين والأكاديمين لدراسة هذا الشعب الغنوصي العراقي
القديم الذي مازال مستمرا ليومنا هذا ، وستساهم المندائية في انتعاش
السياحة الدينية في العراق وسيتدفق الكثير من الذين يؤمنون بالمعمدانية وهم
بالملايين في كل انحاء العالم على العراق للاطلاع على طقوس التعميد وهي
تجرى من قبل رجال الدين المندائيين في النهر كما كان يفعل يهيا يوهانا
(يحيى بن زكريا) منذ اكثر من الفي عام.
والشعب المندائي شعب رافديني
قديم قائم بذاته له لغته ومعتقداته الخاصة وبقعته الجغرافية التي عاش عليها
الآف السنين وليس نتاجاً جانبياً لأية حضارة اخرى. وباعتبارهم آخر من تبقى
من الغنوصيين في العالم فالمحافظة عليهم وصيانة آثارهم هي مسألة تهم
الأنسانية جمعاء. لقد سلط عالم اللسانيـات الكبير رودولف ماسـوخ R. Macuch ـ
الذي ساهم في تأليف القاموس المندائي مع الليدي دراور ـ الضوء على اهمية
كل من اللغة والعقيدة المندائية بقوله: "ان موضوع تطور العقيدة المندائية
كان وما يزال السؤال الرئيسي الذي يواجه الباحثين في تاريخ الأديان ، وهذه
معضلة لايمكن حلها على الاطلاق مالم تتم دراسة الموروثات الفكرية والأدبية
المندائية وترجمتها وتقديمها بالشكل الصحيح."
صعوبة ترجمة النصوص المندائية :
ان
الترجمة من لغة قديمة وفك رموزها امر صعب للغاية خصوصا لأن اغلب هذه
النصوص محاط بغموض طقسي خاص، كما هو الحال مع كافة النصوص الغنوصية.
بالأضافة الى القواعد اللغوية التي تتباين وفقا لزمان الحدث ـ واقصد تصاريف
الأفعال خصوصاً وان المفاهيم اللغوية الموجودة في تلك النصوص قد مضى عليها
زمن طويل وليس من اليسر التوصل الى تفاسير لها ونحن بعقلية القرن الحادي
والعشرين . ان المترجم يضيع احيانا في متاهة صيغ الأفعال والأعادات
المتكررة للجملة الواحدة مع تغير مواقع الكلمات مثال على ذلك : "عند بوابة
منزل ابدوني / وضع عرش للجني / للجني وضع عرش / وأمامه وضع اناء / انه
ينادي على السحرة قائلا :-
تعالوا ،
اسقطوا في الإناء / تعالوا في الإناء اسقطوا / تعالوا كونوا على بينة من
انفسكم / على هذا ماكنتم انتم قد اقترفتم في العالم ." ومن الأسباب الأخرى
لصعوبة ترجمة النص يكمن في ان اللغة المندائية مدونة بشكل نص متصل غير
منفصل بنقاط او علامات تشير الى بداية ونهاية الجملة ناهيك عن الأخطاء
الاملائية والنحوية التي وقع بها النساخ. ومن العوائق المهمة التي تجابه
المترجم ايضا ان الكثير من هذه النصوص مكتوب بطريقة مشوبة بالغموض الخاص
بالاهوت الخلاصي للنفس (النشمتا) soterioligy بحيث لاتتيح لمن هو غير مخول
بفهمها، كما ان العديد من الطقوس يتم تناقلها شفاها من جيل الى جيل بين
رجال الدين وهذا يشكل عائق آخر نحو فهم هذه النصوص.
في الحقيقة ان اهمال
النساخ واخطائهم النحوية تضيف كثيراً الى الصعوبات التي تلاقي المترجم
وهنا تبرز الحاجة الى لجنة من الأكاديميين ورجال الدين المندائيين كي تقوم
بتحقيق هذه النصوص وطبعها بصيغها الصحيحة بعد ان تتم مراجعة ومطابقة النص
مع مصادر اخرى لنفس النص ان توفرت. ان الترجمة من المندائية القديمة تستدعي
استثمار الدراسات الحديثة في الترجمة و الاستفادة من التراث المندائي في
نقل المعلومة وان يكون المترجم على وعي تام بما سيتلقاه القارئ المندائي
وغير المندائي لأن الخطأ في نقل المفاهيم والمصطلحات قد يؤدي الى تشويه
النص نتيجة لتباين المعاني تبعا لمفهوم النص وزمانه خاصة وإن المخطوطات
المندائية تعود الى حوالي الفي سنة. وعلى العموم تبقى ترجمة هذه المخطوطات
والدواوين مغامرة على من ينوي خوضها ان يكون ملما باللغات ذات العلاقة
كالعربية والآرامية والعبرية والأكدية لوجود مفردات وقواعد نحوية مشتركة
بين هذه اللغات كما ينبغي عليه ان يكون ملماً بتاريخ وادي الرافدين ومنطقة
الهلال الخصيب والموروث الحضاري والأسطوري لهذه المنطقة امتدادا من حران
شمالا وحتى القرنة جنوبا حتى لا ينساق وراء الدلالة العربية لكلمة اسطورة
على انها خرافة بما تحويه من مدلولات سلبية على الترجمة في الفكر العربي.
وكل هذا يتطلب ، كما هو واضح ، لجنة من المختصين بهذه المجالات يعهد اليها
بترجمة الكتب المندائية.
ان اهمية اللغة المندائية تكمن في مايلي:
أولاً: ان المندائية هي اللغة العرفانية ـ الغنوصية - Gnosticالوحيدة التي استمرت الى يومنا هذا نتيجة لمأثورها الديني الضخم.
ثانياً: ان الكتب المندائية تشكل اكبر مكتبة غنوصية تم الحفاظ عليها من قبل المندائيين وصانوها من التلف والضياع .
ثالثا:
ان اللغة المندائية هي اللغة الوحيدة القادرة على تقديم الفكر العرفاني ـ
الغنوصي بشكله الحقيقي لما تحويه من بلاغة التعبير وثراء المعاني والصور.
لقد صان البعد الجغرافي للمندائيين وانعزاليتهم في بيئتهم الخاصة ادبيات
المندائيين من التأثيرات الهلنستية، مما جعل المندائيون اقل عرضة لأغراءات
ملائمة افكارهم بما يتوافق مع الفكر الغربي (اليوناني) الذي ساد لفترة
طويلة منطقة الشرق الأوسط بعد مجيء الأسكندر الأكبر، ولهذا يعتبر الأدب
المندائي الأدب الوحيد النقي من تلك التأثيرات ولهذا اهمية كبيرة لدى
المؤرخين وعلماء اللغات والأديان.
رابعا: ان الأدبيات المندائية تتمتع
بمثلوجية فريدة مكتنزة بالصور البلاغية الشعرية الغير موجودة في باقي
المعتقدات ولهذا فهي اللغة الوحيدة التي من خلالها يستطيع الدارسون النفاذ
الى الفكر والمعتقد الغنوصي العصي على الفهم احيانا.
خامساً: ان النصوص
المندائية لاتحتوي على اية تأثيرات او مفردات عربية فرضت عليها جراء الفتح
الأسلامي للعراق لأن اغلب هذه النصوص تعود الى تواريخ اقدم بكثير من الوجود
العربي في العراق.
سادساً: ان نظام الأصوات الكلاميةphonetics في اللغة
المندائية هو من اهم الظواهر الملفتة للنظر في الفيلولوجيا السامية ،
والسبب في ذلك يعود الى المرونة والسلاسة الفريدة التي يتمتع بها نظام
الأصوات الكلامية في اللغة المندائية مقارنة بمثيلاتها من اللغات السامية.
لقد أكد العالم الألماني الكبير ثيودور نولدكه N?ldke (1836م ـ 1930م) على اهمية كل من اللغة المندائية والتراث المندائي بقوله:
"
ان دراسة العقيدة المندائية والأدبيات المتعقلة بها ستؤدي بنا الى فهم
أكبر للمعتقدات الغنوصية التي انقرضت منذ زمن بعيد والى فهم تأثير
المندائية على من تزامن معها او من جاء بعدها من معتقدات وأديان."
خاتمة:
لقد
استغرق الوصول لصيغ مقبولة لترجمة الكتب المقدسة كالأنجيل (العهد القديم
والعهد الجديد) مثلا عن الآرامية واللاتينية قرونا عديدة واشترك في هذه
الترجمة خيرة علماء اللاهوت و اللسانيات المسيحيين واليهود الى ان جاءت
بهذه الصورة المتقنة التي نقرأها في الطبعات العربية. ان شروع المندائيين
بترجمة كتبهم المقدسة هو بادرة تستحق التقدير والتشجيع لأنها ستؤدي
بالنهاية الى اضاءة مجالات الا مُفكر فيه في التراث المندائي وستحفزهم
لتبني نقل كتبهم الدينية الى اللغة العربية ولاحقا الفارسية ـ لوجود جالية
مندائية كبيرة في أيران لا تجيد العربية ـ والأنجليزية ـ لأجيال المندائيين
التي ستنشأ في المهاجر ـ لكون المندائيين هم الأولى والأحق في استخلاص
مكنونات تراثهم ولغتهم وفك طلاسمها بدلا من تركها للمستشرقين الذين أفادوا
منها كثيرا في مجالاتهم الأكاديمية. والترجمة ليست بالمهنة الغريبة على
الصابئة المندائيين فقد برعوا فيها منذ القدم كما برعوا في العلوم والطب
والهندسة والفلك والشعر والصياغة .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى