اهلا وسهلا بك من جديد زائر آخر زيارة لك كانت في مجموع مساهماتك 85 آخر عضو مسجل Amwry فمرحباً به


اذهب الى الأسفل
the prince
the prince
عضو متميز
عضو متميز
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1023
العمر : 38
تاريخ الميلاد : 01/01/1986
النقاط : 1274
العمل : ماجستير كيمياء عضوية
MMS : من اسرار القران الكريم.............. 6

هام من اسرار القران الكريم..............

الأربعاء فبراير 29, 2012 11:36 pm
من أسرار القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار











‏(154)‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق‏*‏ خلق الإنسان من علق‏*‏



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في مطلع سورة العلق‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها تسع عشرة‏,‏ وبها سجدة تلاوة واحدة‏,‏ وهي آخر سجدة تلاوة في المصحف الشريف‏.‏
وقد سميت السورة باسم العلق لورود الإشارة في مطلعها إلي هذه المرحلة من مراحل خلق الإنسان‏,‏ والتي يشبه فيها الجنين دودة العلق في شكلها وطريقة غذائها‏.‏

ويدور المحور الرئيسي لسورة العلق حول بدء نزول الوحي علي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ وما صاحبه من أمر بالإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ وتأكيد علي أنه خالق كل شيء وربه ومليكه‏,‏ وأنه‏(‏ جل جلاله‏)‏ خلق الإنسان من علق‏,‏ وأمر باكتساب العلم والمعرفة‏,‏ وأشاد بالقراءة والقلم‏,‏ وأكد أن الله‏(‏ سبحانه‏)‏ هو مصدر كل علم مفيد‏,‏ ومعرفة صحيحة فهو‏(‏ تعالي‏)‏ الذي علم الإنسان ما لم يعلم‏*.‏ وكان من مقتضيات ذلك أن يعبد الإنسان ربه‏,‏ ويلتزم أوامره‏,‏ ويتجنب نواهيه‏,‏ ولكن الإنسان كثيرا ما يطغيه الثراء والجاه والسلطان فينسي أنها من نعم الله المنعم المتفضل علي عباده‏,‏ ويطغيه ذلك بدلا من أن يسجده لله‏(‏ تعالي‏)‏ عبودية وحمدا‏,‏ وينسيه الرجوع إلي الله‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ مهما طال الأجل‏,‏ وبذلك تؤكد السورة الكريمة حتمية الآخرة وما فيها من بعث وحساب وجزاء‏.‏
وتعرض الآيات في سورة العلق لعدد من الأحداث في حياة رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مؤكدة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يري كل شيء‏,‏ ومهددة الكفار والمشركين بعذاب من الله أليم‏,‏ وآمرة الرسول الخاتم وجميع من آمن به واتبعه بمداومة السجود لله‏(‏ تعالي‏)‏ والتقرب إليه بالعبادة والطاعة رغم أنوف الكافرين والمشركين والمتشككين‏.‏

عرض موجز لسورة العلق
بعد بسم الله الرحمن الرحيم يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في مطلع سورة العلق‏:‏
اقرأ باسم ربك الذي خلق‏*‏ خلق الإنسان من علق‏*‏ اقرأ وربك الأكرم‏*‏ الذي علم بالقلم‏*‏ علم الإنسان ما لم يعلم‏*‏
‏(‏العلق‏:1‏ ـ‏5)‏

وهذه الآيات الخمس هي أول ما نزل من القرآن الكريم بإتفاق العلماء‏.‏ وفي ذلك يروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة‏(‏ رضي الله عنها‏)‏ أنها قالت‏:‏ أول ما بدأ به رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم‏,‏ فكان لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح‏,‏ ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد‏,‏ ويتزود لذلك‏.‏ ثم يرجع إلي خديجة ـ أم المؤمنين ـ فيتزود لمثلها حتي فاجأه الوحي‏,‏ وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه‏,‏ فقال‏:‏ إقرأ‏,‏ قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ فقلت‏:‏ ما أنا بقاريء ـ قال ـ فأخذني فغطني‏,‏ حتي بلغ مني الجهد‏,‏ ثم أرسلني فقال‏:‏ إقرأ‏,‏ فقلت‏:‏ ما أنا بقاريء‏,‏ فغطني الثانية‏,‏ حتي بلغ مني الجهد‏,‏ ثم أرسلني فقال إقرأ‏,‏ فقلت‏:‏ ما أنا بقاريء‏,‏ فغطني الثالثة حتي بلغ مني الجهد‏,‏ ثم أرسلني‏,‏ فقال‏:(‏ إقرأ باسم ربك الذي خلق ـ حتي بلغ ـ ما لم يعلم‏),‏ فرجع بها رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ترجف بوادره حتي دخل علي خديجة فقال‏:(‏ زملوني زملوني‏)‏ فزملوه حتي ذهب عنه الروع فقال‏:‏ يا خديجة‏:(‏ ما لي‏)‏؟‏!‏ وأخبرها الخبر‏,‏ وقال‏:(‏ قد خشيت علي نفسي‏).‏ فقالت له‏:‏ كلا‏!‏ أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا‏,‏ إنك لتصل الرحم‏,‏ وتصدق الحديث‏,‏ وتحمل الكل‏,‏ وتقري الضيف‏,‏ وتعين علي نوائب الحق‏,‏ ثم انطلقت به حتي أتت‏(‏ ورقة بن نوفل‏)‏ بن أسد بن عبد العزي بن قصي‏,‏ وهو ابن عم خديجة أخي أبيها‏,...‏ وكان شيخا كبيرا قد عمي‏,‏ فقالت خديجة‏:‏ أي ابن عم‏,‏ اسمع من ابن أخيك‏.‏ فقال ورقة‏:‏ ابن أخي ما تري؟ فأخبره رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بما رأي فقال ورقة‏:‏ هذا الناموس الذي أنزل علي موسي‏,‏ ليتني فيها جذعا‏,‏ ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك‏,‏ فقال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أو مخرجي هم؟ فقال ورقة‏:‏ نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي‏,‏ وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا‏.‏ ثم لم ينشب ورقة أن توفي‏,‏ وفتر الوحي
‏(‏أخرجه الشيخان والإمام أحمد واللفظ له‏)‏

فكانت هذا الآيات الخمس من مطلع سورة العلق أول ما نزل من القرآن الكريم‏.‏ هذا الوحي الخاتم الذي أكمل الله‏(‏ تعالي‏)‏ فيه رسالته إلي خلقه‏,‏ وأتم عليهم نعمه بنزوله وحفظه‏,‏ ورضي لهم الإسلام دينا‏.‏
وكان من أبلغ الشهادات علي أن هذا الوحي هو كلام الله الخالق تلك اللفتة المعجزة إلي خلق الإنسان من علق‏,‏ وهي مرحلة من مراحل خلق الجنين البشري‏,‏ يتراوح طول الجنين فيها بين‏0,7‏ ـ مم‏,3,5‏ مم‏,‏ ولم يتعرف الإنسان عليها إلا في القرن العشرين‏,‏ ووصف القرآن الكريم لها من قبل أربعة عشر قرنا بهذا النعت الذي يتسم بالدقة والشمول والكمال‏,‏ وفي زمن لم يتوافر للإنسان أية وسيلة من وسائل التكبير أو التصوير أو الكشف يعتبر من أوضح المعجزات العلمية في كتاب الله العزيز‏,‏ خاصة وأن هذا الزمن قد ساد الاعتقاد فيه بالعديد من الخرافات والأساطير من مثل خلق الإنسان من دم الحيض فقط‏,‏ أو من ماء الرجل فقط‏,‏ خلقا متكاملا في حجم متناهي الضآلة يزداد في أبعاده بالتدريج حتي يصل إلي حجم الجنين البالغ النضج قبل الميلاد‏.‏
وكان في ذلك البرهان الساطع لكل ذي بصيرة علي أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏.‏
وكان في تأكيد هذه الآيات علي قيمة العلم‏,‏ والإشادة بأهم أدوات اكتسابه وهي القراءة والكتابة تعظيم لأقدار العلماء‏,‏ ودعوة من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي الخلق كافة لإكتساب المعرفة والحرص عليها‏,‏ وتأكيد علي أن الإسلام العظيم لا يبني علي جهالة أبدا‏,‏ ولكن علي علم والتزام‏,‏ وأن العلم النافع يهبه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لمن يشاء من عباده كما وهبه لأبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحظة خلقه‏.‏ وكان هذا العلم الوهبي هو الأساس الذي بنيت عليه كل المعارف البشرية‏.‏ ومن هنا كان هذا النداء الإلهي إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في أولي لحظات اتصاله بالملأ الأعلي أن يقرأ باسم الله الخالق‏,‏ الذي خلق كل شيء فأتقنه‏,‏ وجعل من مراحل خلق الإنسان مرحلة العلق التي منها خلق هذا المخلوق المكرم الذي وهبه الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي اكتساب المعرفة والعلم‏.‏
وكانت إرادة الله أن يكون هذا النبي والرسول الخاتم من غير الكاتبين بالقلم‏,‏ ومن هنا كانت هذه الإشارة من الدلائل الناصعة علي صدق نبوته‏,‏ وعلي صدق الوحي الذي أوحي إليه به‏,‏ لأن أهمية القراءة والكتابة بالقلم ما كانت لتبرز هذا البروز لو كان القرآن الكريم من صناعته كما يدعي المبطلون‏.‏
وبهذه الآيات الخمس التي كانت أول ما نزل من القرآن الكريم وضعت أول قاعدة من قواعد الإيمان بالله الخالق‏:‏ رب هذا الكون ومليكه‏,‏ الذي يجب أن تكون كل حركات الإنسان وسكناته باسمه ومتوجهة إليه‏,‏ وطالبة لمرضاته‏,‏ ومنتهية إليه فهو الذي خلق فسوي‏,‏ وهو الذي قدر فهدي‏,‏ وهو الذي‏(‏ علم الإنسان ما لم يعلم‏)‏ وكان من مقتضيات هذه الأفضال الإلهية أن يعرف العبد ربه‏,‏ وأن يخضع لجلاله بالطاعة والعبادة والتقوي الخالصة لله‏,‏ ولكن كثيرا من الناس لا يشكرون‏,‏ تبطرهم النعمة فينسون المنعم‏,‏ ويطغيهم الجاه والسلطان فيتجاوزون حدود الرحمة والعدل‏,‏ وينسون حتمية الرجوع إلي الله وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
كلا إن الإنسان ليطغي‏*‏ أن رآه استغني‏*‏ إن إلي ربك الرجعي‏*.‏

وهذا الحكم شاءت إرادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ أن تتبعه بواقعة تاريخية وقعت لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في بدء دعوته‏,‏ فقد أخرج الإمام البخاري عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ قال‏:‏ قال أبو جهل‏:‏ لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن علي عنقه‏,‏ فبلغ ذلك النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ فقال‏:‏ لئن فعل لأخذته الملائكة‏.‏
وأخرج كل من الإمامين أحمد والترمذي عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ أنه قال‏:‏ كان رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ يصلي عند المقام‏,‏ فمر به أبو جهل ابن هشام‏,‏ فقال‏:‏ يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وانتهره‏,‏ فقال‏:‏ يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا‏,‏ فأنزل الله‏(‏ تعالي‏)‏ قوله العزيز‏:‏ فليدع ناديه‏*‏ سندع الزبانية‏*(‏ العلق‏:18,17),‏ وقال ابن عباس‏:‏ لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته
وروي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ قال‏:‏ قال أبو جهل‏:‏ هل يعفر محمد وجهه‏(‏ أي يصلي‏)‏ بين أظهركم؟ قالوا‏:‏ نعم‏,‏ فقال‏:‏ واللات والعزي لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن علي رقبته‏,‏ ولأعفرن وجهه في التراب‏,‏ فأتي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وهو يصلي ليطأ علي رقبته‏,‏ قال‏:‏ فما فجأهم منه إلا وهو ينكص علي عقبيه ويتقي بيديه‏,‏ قال‏:‏ فقيل له‏:‏ مالك؟ فقال أبو جهل‏:‏ إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة‏!!!‏ قال أبو هريرة‏:‏ فقال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا‏,‏ قال‏:‏ وأنزل الله‏:(‏ كلا إن الإنسان ليطغي‏)‏ إلي آخر السورة‏.‏
وفي ختام سورة العلق يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

أرأيت الذي ينهي‏*‏ عبدا إذا صلي‏*‏ أرأيت إن كان علي الهدي‏*‏ أو أمر بالتقوي‏*‏ أرأيت إن كذب وتولي‏*‏ ألم يعلم بأن الله يري‏*‏ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية‏*‏ ناصية كاذبة خاطئة‏*‏ فليدع ناديه‏*‏ سندع الزبانية‏*‏ كلا لا تطعه واسجد واقترب‏*.(‏ العلق‏:9‏ ـ‏19).‏
وهذه الآيات تتعلق بحادثة نهي أبي جهل عن الصلاة عند البيت الحرام‏,‏ فوعظه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أولا بالتي هي أحسن‏,‏ ثم هدده وتوعده بأنه‏(‏ تعالي‏)‏ يراه ويسمع كلامه‏,‏ وسيجازيه علي إجرامه أشد الجزاء فيقول له‏:‏ إن لم ترجع عن غطرستك وتكبرك علي الحق لنأخذن بناصيتك‏,‏ ولنسحبنك بها إلي نار جهنم‏,‏ ولنذلنك بذلك أشد الإذلال‏.(‏ والسفع‏)‏ هو القبض علي الشيء بشدة وجذبه‏,‏ وهو الاحتراق بالنار إلي حد السواد والتفحم‏.‏ و‏(‏الناصية‏)‏ هي شعر مقدم الرأس‏,‏ ووصف الناصية بأنها‏(‏ كاذبة خاطئة‏)‏ أي كاذبة في بيانها‏,‏ متعمدة الخطأ في أفعالها‏,‏ وفي ذلك إشارة إلي وجود الفص الجبهي من المخ تحت الناصية مباشرة‏,‏ وهو مركز الوظائف العقلية العليا من مثل التقدير والتدبير‏,‏ والاختيار بين البدائل‏,‏ ووضع الخطط‏,‏ واتخاذ القرارات‏,‏ والتواؤم مع الواقع‏,‏ وهذه الحقيقة لم تتوافر للعلوم المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وسبق القرآن الكريم بالاشارة إليها هو بالقطع من معجزاته العلمية القاطعة والشاهدة بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ وأنه هو الصورة الوحيدة من وحي السماء المحفوظة بين أيدي الناس اليوم بنفس لغة وحيها لأن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ قد تعهد بحفظها فحفظت‏,‏ بينما ترك غيرها من صور الوحي السابقة لحفظ اصحابها فضيعوها‏,‏ وملأوا ما بقي منها من ذكريات ـ نقلت شفاها عبر القرون ـ بقدر كبير من التحريف الذي أخرجها عن إطارها الرباني‏,‏ وجعلها عاجزة كل العجز عن هداية أصحابها‏.‏ ولذلك ختمت سورة العلق بأمر من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بألا يطيع طاغية مثل أبي جهل في نهيه له عن الصلاة عند البيت الحرام‏,‏ وتأمره بالمداومة علي عبادة الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ وبإكثار السجود له‏(‏ سبحانه‏)‏ والتقرب إليه‏,‏ وإقام الصلاة حيث يشاء دون أدني مبالاة من جبابرة الأرض وطغاتها امثال أبي جهل المشرك ـ وما أكثر أمثاله في هذه الأيام ـ وذلك لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ حافظ خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وناصره‏,‏ ومؤيده‏,‏ ومؤازره‏,‏ وعاصمه من الناس ـ والخطاب من الله تعالي إلي نبيه ورسوله الخاتم هو خطاب إلي كل مؤمن به وبرسالته ولذلك ختمت سورة العلق بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
كلا لا تطعه واسجد واقترب‏*‏
‏(‏العلق‏:19).‏

وعن أبي هريرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏ أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء‏.‏
من ركائز العقيدة في سورة العلق
‏(1)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وعلي ذلك فهو وحده المستوجب الخضوع لجلاله بالعبادة والطاعة‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏).‏
‏(2)‏ التسليم بأن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ يخلق ـ الانسان في عدد من الأطوار المتتالية التي من أوائلها طور العلق‏,‏ وهي أطوار متناهية الضآلة في الحجم‏,‏ والذي هذا أصله لا يجوز له التطاول علي الله‏((‏ تعالي‏)‏ بالمعاصي ولا علي خلقه بالتجبر والمظالم‏.‏
‏(3)‏ الايمان بأن الله الخالق هو الرزاق ذو القوة المتين‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ أكرم الأكرمين‏,‏ فلا يجوز اللجوء إلا إليه‏,‏ ولا يجوز السؤال إلا منه‏,‏ ولا تجوز الاستعانة إلا به‏(‏ جل جلاله‏).‏
‏(4)‏ اليقين بأن العلم من فيض الله العليم الحكيم علي عباده‏,‏ علمه لأبيهم آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحظة خلقه‏,‏ وعلمه آدم لنسله من بعده‏.‏
‏(5)‏ التسليم بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ علم الانسان ما لم يعلم‏.‏
‏(6)‏ الايمان بالآخرة وبما فيها من بعث‏,‏ وحشر‏,‏ ورجوع إلي الله‏,‏ وحساب وجزاء‏.‏
‏(7)‏ اليقين بأن الله تعالي هو السميع‏,‏ البصير‏,‏ العليم الذي يري كل شيء‏,‏ ويسمع كل همس‏.‏

من ركائز العبادة في سورة العلق
‏(1)‏ ضرورة استفتاح كل عمل باسم الله‏(‏ تعالي‏)‏ فكل عمل لايبدأ باسمه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ فهو أبتر‏.‏
‏(2)‏ الحرص علي تعلم العلم النافع‏,‏ ووسيلة الانسان في ذلك القراءة والكتابة‏.‏
‏(3)‏ التحذير من أن يكون الغني بالمال أو الجاه أو السلطان مدعاة للطغيان علي عباد الله والتجبر عليهم‏.‏
‏(4)‏ النهي عن تعطيل عبادة من العبادات المفروضة واعتبار ذلك من الجرائم التي يعاقب عليها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏
‏(5)‏ الأمر بالاكثار من السجود لله‏(‏ تعالي‏)‏ والضراعة إليه بالدعاء في هذا المقام فأقرب مايكون العبد بين يدي الله وهو ساجد‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة العلق
‏(1)‏ التأكيد علي حقيقة الخلق‏,‏ وعلي أن الله الخالق الباريء المصور هو خالق كل شيء‏,‏ ورب كل شئ ومليكه‏.‏
‏(2)‏ الإشارة إلي خلق الإنسان من طور يشبه دودة العلق تماما في شكله وفي طرائق تغذيته‏.‏
‏(3)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو مصدر كل علم نافع ومعرفة صحيحة‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علم بالقلم‏*‏ علم الإنسان ما لم يعلم‏*.‏
‏(4)‏ الإشارة إلي أن من طبائع النفس البشرية الميل إلي الطغيان عند الغني‏.‏
‏(5)‏ التأكيد علي حتمية البعث والرجوع إلي الله‏(‏ تعالي‏).‏
‏(6)‏ الإشارة إلي أن الناصية هي موضع اتخاذ القرار‏.‏
‏(7)‏ التلميح إلي قيمة السجود في صلة العبد بالله‏(‏ تعالي‏).‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الثانية من القائمة السابقة والتي جاءت في الآية الثانية من سورة العلق‏.‏
من الدلالات اللغوية للآية الكريمة

أولا‏:(‏ خلق‏):‏
أصل‏(‏ الخلق‏)‏ هو الإبداع والتقدير المستقيم‏,‏ ويستعمل في إبداع الشيء علي غير مثال سابق‏,‏ أي من غير أصل ولا احتذاء‏,‏ وذلك من مثل قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ خلق السماوات والأرض أي أبدعهما بدلالة وصفه لذاته العلية بصفة بديع السماوات والأرض‏.‏
ويستعمل الفعل‏(‏ خلق‏)‏ في التعبير عن إيجاد شيء من شيء آخر‏,‏ وذلك من مثل قوله‏(‏ تعالي‏):‏
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‏....*‏
‏(‏النساء‏:1)‏

و‏(‏ الخلق‏)‏ الذي يقصد به الإبداع لا يكون إلا لله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ولذلك وصف ذاته العلية بـ‏(‏ الخالق‏)‏ و‏(‏ الخلاق‏),‏ وقال في محكم كتابه‏:‏
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون‏*‏
‏(‏النحل‏:17)‏

و‏(‏ الخلق‏)‏ لا يستعمل في حق المخلوقين إلا علي وجهين‏:‏ أحدهما بمعني التقدير‏,‏ والثاني في التعبير عن الكذب بمعني الاختلاق والافتراء وذلك من مثل قوله تعالي‏:‏ وتخلقون إفكا‏...‏ فإن قيل في قوله‏(‏ تعالي‏)...‏ فتبارك الله أحسن الخالقين‏*‏ إمكانية الدلالة علي أنه يجوز أن يوصف غير الله بالخلق‏,‏ قلنا ان ذلك معناه أحسن المقدرين‏.‏
و‏(‏الخلق‏)‏ يقال في معني المخلوق‏,‏ والخلق و‏(‏الخلق‏)‏ في الأصل واحد‏,‏ ولكن خص‏(‏ الخلق‏)‏ بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر‏,‏ وخص الخلق بالصفات والسجايا المدركة بالبصيرة‏,‏ و‏(‏الخلاق‏)‏ هو ما يكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه و‏(‏ الخليقة‏)‏ و‏(‏ الخلائق‏)‏ هم خلق الله‏,‏ و‏(‏ الخلقة‏)‏ هي الفطرة‏.‏
ويقال‏:‏ فلان‏(‏ خليق‏)‏ بكذا‏:‏ أي جدير به‏,‏ كأنه مخلوق فيه ذلك‏,‏ أو كأنه مجبول علي ذلك‏,‏ أو مدعو إليه بالفطرة‏.‏ والخلوق ضرب من الطيب‏,‏ و‏(‏الخلاق‏)‏ هو النصيب‏.‏

ثانيا‏:(‏ علق‏):‏
يقال‏(‏ علق‏)‏ بالشيء‏(‏ علوقا‏)‏ أي تعلق‏)‏ أو تشبث به‏,‏ و‏(‏ العلق‏)‏ التشبث بالشيء‏,‏ و‏(‏المعلاق‏)‏ و‏(‏ المعلق‏)‏ ما‏(‏ يعلق‏)‏ به‏,‏ و‏((‏ العلقه‏)‏ ما يتمسك به‏,‏ وكل شيء‏(‏ علق‏)‏ به شيء فهو‏(‏ معلاقه‏),‏ و‏(‏ العليق‏)‏ نبت يتعلق بالشجر‏.‏ و‏(‏العلقة‏)‏ دودة مائية تعيش في البرك متطفلة علي غيرها من الحيوانات‏,‏ تعلق بها لتتغذي بامتصاص دمائها‏,‏ والجمع‏(‏ علق‏),‏ و‏(‏ الإعلاق‏)‏ إرسال دود العلق علي موضع محدد من الجسم ليمص الدم منه‏.‏ ويقال‏:(‏ علقت‏)‏ الدابة إذا نشبت بها دودة العلق أثناء شربها للماء‏.‏ و‏(‏ العلقة‏)‏ من الأطوار الابتدائية للجنين البشري‏.‏

ثالثا‏:‏ الإنسان‏:‏
‏(‏الإنس‏)‏ خلاف الجن‏,‏ وكلاهما من الخلق المكلف‏,‏ و‏(‏الإنس‏)‏ هو مجموع البشر‏,‏ والواحد‏(‏ انسي‏),‏ بكسر الألف وسكون النون‏,‏ أو‏(‏ أنسي‏)‏ بفتحتين‏,‏ والجمع‏(‏ أناسي‏),‏ قال تعالي‏:‏ وأناسي كثيرا‏,‏ وكذا‏(‏ الأناسية‏)‏ مثل الصيارفة والصياقلة‏.‏
يقال للمرأة‏(‏ إنسان‏),‏ ولا يقال لها‏(‏ إنسانة‏).‏ وهو وصف لمن‏(‏ يؤنس‏)‏ به أو يكثر أنسه ولذلك قيل إن‏(‏ الإنسان‏)‏ سمي‏(‏ إنسانا‏)‏ لأنه‏(‏ يؤنس‏)‏ به‏,‏ حيث إنه خلق خلقة لا قوام لها إلا بـ‏(‏ أنس‏)‏ بعضهم ببعض‏,‏ ولهذا قيل‏:(‏ الإنسان‏)‏ مدني بالطبع‏,‏ حيث لا يمكنه القيام بجميع أسبابه بمفرده‏,‏ لاحتياج بعض الناس بعضا‏.‏ وقيل‏:‏ إنه سمي‏(‏ إنسانا‏)‏ لأنه‏(‏ يأنس‏)‏ بكل ما يألفه‏.‏ وقيل‏:‏ إن أصل التسمية‏(‏ إنسيان‏)‏ علي وزن‏(‏ إفعلان‏)‏ من النسيان لأن آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ عهد إليه فنسي‏,‏ قال تعالي‏:‏
ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما‏*(‏ طه‏:115).‏
وتصغير لفظة‏(‏ إنسان‏)‏ هو‏(‏ أنيسان‏),‏ و‏(‏الأناس‏)‏ بالضم لغة في‏(‏ الناس‏)‏ وهو الأصل‏.‏

و‏(‏الإيناس‏)‏ و‏(‏التأنيس‏)‏ خلاف الإيحاش‏,‏ و‏(‏الأنس‏)‏ خلاف الوحشة‏.‏ يقال‏:(‏ أنس‏)‏ به و‏(‏أنس‏)‏ به‏(‏ يأنس‏)‏ بالكسر‏(‏ أنسا‏)‏ بالضم‏.‏
و‏(‏الأناسي‏),‏ و‏(‏الناس‏),‏ و‏(‏الأنس‏),‏ هم الخلق المكلف من نسل أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ والمقابل للمخلوقات الغيبية المكلفة مثل الجن‏,‏ والعاقلة المسخرة مثل الملائكة‏.‏ وبهذا نزل القرآن الكريم وعلي هذا بنيت عقيدة الأمة سلفا وخلفا‏.‏ فالبشر والإنسان وصفان لموصوف واحد‏.‏ وقد عبر عن‏(‏ الإنسان‏)‏ بـ‏(‏ البشر‏)‏ لظهور جلده بخلاف الحيوانات التي يغطي جلدها بالشعر أو الصوف أو الوبر‏,‏ و‏(‏البشرة‏)‏ ظاهر الجلد‏,‏ والأدمة باطنه‏.‏
والمقصود بـ‏(‏ الإنسان‏)‏ في القرآن الكريم كله ــ نوع الإنسان أي جميع بني آدم‏,‏ وخصه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بالذكر لكونه أشرف المخلوقات وأحسنها بناء جسديا‏,‏ وقدرات عقلية وحسية وعاطفية وامكانيات لكسب المعارف والمهارات وتعليمها‏,‏ وعلي الانفعال‏,‏ والتعبير عن الذات وغير ذلك مما ميزه به الخالق سبحانه وتعالي‏.‏
وجاءت لفظة‏(‏ علق‏)‏ بالجمع لتتوافق مع بلايين البشر من بني آدم الذين عاشوا وماتوا‏,‏ والبلايين التي تملأ جنبات الأرض اليوم‏,‏ والتي سوف تأتي من بعدنا إلي قيام الساعة‏,‏ وهذا من دقة الصياغة القرآنية المعجزة وشدة إحكامها‏.‏
لفظتا‏(‏ علقة‏)‏ و‏(‏علق‏)‏ في القرآن الكريم

الآيتان اللتان نحن بصددهما جاءتا في سورة العلق التي يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في مطلعها‏:‏
اقرأ باسم ربك الذي خلق‏*‏ خلق الإنسان من علق‏*.(‏ العلق‏:2,1)‏
وهي المرة الوحيدة التي جاء فيها ذكر اللفظة‏(‏ علق‏)‏ بصيغة الجمع في القرآن الكريم كله‏,‏ ولكن جاء لفظ‏(‏ علقة‏)‏ بالإفراد خمس مرات علي النحو التالي‏:‏

‏(1)‏ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة‏..*(‏ الحج‏:5).‏
‏(2)‏ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة‏..*(‏ المؤمنون‏:14).‏
‏(3)‏ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة‏..*(‏ غافر‏:67).‏
‏(4)‏ ألم يك نطفة من مني يمني‏*‏ ثم كان علقة فخلق فسوي‏*‏ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثي‏*(‏ القيامة‏:37‏ ــ‏39).‏
وفي جميع هذه الحالات الست قصد باللفظ‏(‏ علقة‏)‏ و‏(‏علق‏)‏ مرحلة محددة من مراحل تطور الجنين البشري‏,‏ يأخذ فيها الجنين‏(‏ الكيسة الأرومية‏)‏ شكل دودة العلق‏(Leech)‏ ويتعلق بجدار الرحم تماما كما تتعلق الدودة بعائلها‏,‏ ويتغذي الجنين في مرحلة العلقة علي دم الأم‏,‏ كما تتغذي دودة العلق علي دم عائلها تماما‏.‏
وسبق القرآن الكريم بوصف مراحل الجنين في الإنسان بهذه الدقة الفائقة من قبل أربعة عشر قرنا‏,(‏ وهي مراحل متناهية الضآلة في الحجم‏)‏ في زمن لم يتوافر للإنسان أي وسيلة من وسائل التكبيرأو الكشف أو التصوير يعتبر من أوضح جوانب الإعجاز العلمي في كتاب الله خاصة وأن هذه المراحل لم تتوصل العلوم المكتسبة إلي معرفتها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ ووصفتها بعمر كل مرحلة بالأيام والأسابيع‏,‏ حيث لم تتمكن بعد من وصفها الوصف الكامل‏.‏
وطول العلقة يتراوح بين‏0,7‏ مم‏,3,5‏ مم‏,‏ وهي أطوال لايمكن أن تراها العين المجردة في السقط الذي ينزل من المرأة مغمورا بالدماء وبأشلاء الأنسجة‏,‏ ومن هنا كانت الاشارات القرآنية الكريمة إلي مراحل الجنين في الإنسان بأوصاف محددة‏,‏ ومراحل متتالية منتظمة من أعظم الشهادات علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ وأن سيدنا محمدا بن عبدالله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وأنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏,‏ وذلك لأنه لا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لهذا العلم الراقي‏,‏ المحكم‏,‏ الدقيق في هذا الزمن القديم السحيق غير الله الخالق الذي أحاط بكل شيء علما‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
تشير الآيتان الكريمتان اللتان اخترناهما عنوانا لهذا المقال إلي خلق الإنسان‏(‏ أي جميع بني آدم‏)‏ عبر مرحلة جنينية محددة سماها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ باسم مرحلة العلق‏,‏ والعلق من الديدان الحلقية‏(Annelida)‏ أو ما يعرف باسم العلقيات‏(ClassHirudinia)‏ والتي عادة ما تحيا في الماء العذب وإن كانت أنواع قليلة منها تحيا في الماء المالح أو حتي علي اليابسة في الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية الرطبة‏.‏
وتعيش ديدان العلق متطفلة علي العديد من العوائل الفقارية بإلصاق نفسها بجسم العائل بقرصين ماصين قويين عند كل من طرفيها تمتص دمه‏,‏ أو تعيش كحيوانات مفترسة أو رمية علي غير الفقاريات من القواقع‏,‏ وقد زود الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ديدان العلق الماصة للدماء بعدد من المركبات الكيميائية التي تمنع تجلط الدم حتي تتمكن من امتصاص القدر اللازم لاحتياجاتها‏,‏ وتعرف باسم مركبات الهيرودين‏(Hirudin)‏ والتي اشتق منها اسم طائفة العلقيات‏(ClassHirudinia).‏

وقد استخدمت هذه الديدان الماصة في القديم‏,‏ ولاتزال تستخدم في علاج العديد من الأمراض‏,‏ وذلك بامتصاص الدم الزائد عن حاجة المريض‏.‏
ومن العجيب أن يكتشف دارسو علم الأجنة البشرية في القرن العشرين أنه في خلال الأسبوعين الأولين من حياة الجنين تتم عملية تعلق الكيسة الأرومية بجدار الرحم بواسطة المشيمة الابتدائية التي تتحول فيما بعد إلي الحبل السري‏.‏ وباطراد عملية النمو‏,‏ وتعدد الخلايا‏,‏ وبدء تكون الأجهزة المختلفة‏(‏ وفي مقدمتها الجهاز العصبي ممثلا بالحبل الظهري‏,‏ والجهاز الدوري الابتدائي ممثلا بأنابيب القلب‏,‏ وحزمة من الأوردة والشرايين‏)‏ فإن الجنين يستطيل في مطلع الأسبوع الثالث‏(‏ من اليوم الحادي والعشرين إلي اليوم الخامس والعشرين من عمره‏)‏ ليأخذ هيئة دودة العلق‏(Leech)‏ في شكلها‏,‏ وفي تعلقها بجسم العائل لأن الجنين يتعلق بجدار الرحم‏,‏ وفي تغذيتها علي دم العائل لأن الجنين يتغذي علي دم الأم‏.‏ وعلي ذلك فإن الوصف القرآني لهذا الطور من أطوار الجنين البشري بتعبير‏(‏ خلق الإنسان من علق‏)‏ في زمن لم يكن هناك وجود لأي وسيلة من وسائل الكشف أو التكبير أو التصوير لطور يتراوح طوله بين‏(0,7‏ مم‏),(3,5‏ مم‏)‏ يعتبر أمرا معجزا حقا‏.‏

وتعرف هذه المرحلة باسم مرحلة الالتصاق والانغراز أو الحرث‏(TheAttachmentandImplantation).‏
ويحدث فيها اقتراب الأرومة الجرثومية‏(Blastula)‏ من الغشاء المخاطي المبطن للرحم حتي تلتصق في جزئه العلوي‏,‏ بعد ستة إلي سبعة أيام من تاريخ الاخصاب ثم تقوم الخلايا الخارجية للأرومة الجرثومية بقضم جدار الرحم والانغراز فيه بواسطة عدد من الخملات الدقيقة‏,‏ الغارقة في بحر من الدماء‏,‏ وبذلك يكون الاتصال بين الجنين ودماء الأم اتصالا مباشرا فتتغذي عليه العلقة وعلي لبن الرحم الذي تفرزه آلاف من الغدد الرحمية‏.‏
وفي حوالي اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من تاريخ الإخصاب تقفل الفتحة التي دخلت منها الأرومة الجرثومية في غشاء جدار الرحم بعدد من الخلايا الليفية والدموية‏,‏ ثم تغطي بعدد من الخلايا الطلائية المكونة لبطانة الرحم الغشائية‏.‏

وبعد هذه المرحلة الأولي من تعلق الجنين بجدار الرحم‏,‏ وانغراسه فيه‏,‏ يبدأ الغشاء المشيمي‏(Chorion)‏ في التكون من الخلايا الخارجية للأرومة الجرثومية‏,‏ كما يتكون معلاق موصل بين الجنين وبين الغشاء المشيمي‏,‏ تنشأ فيه الأوعية الدموية السرية المغذية للجنين لتأكيد تعلق الجنين بجدار الرحم‏.‏

ويستمر طور العلقة من اليوم الخامس عشر إلي اليوم الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين تقريبا بعد إتمام عملية الإخصاب‏,‏ وعلي الرغم من ضآلته فإن أساتذة علم الأجنة لاحظوا التكاثر المتسارع للخلايا‏,‏ ونشاطها في تكوين أجهزة الجسم‏,‏ وبدء ظهور شق عصبي عميق عند نهاية الطرف الخلفي للجنين‏,‏ وتكون عدد قليل من الفلقات‏,‏ ووضوح ثنية الرأس‏,‏ لينتقل هذا الطور إلي الطور الذي يليه وهو طور المضغة الذي سوف نناقشه في مقال قادم بإذن الله‏.‏

من هذا الاستعراض يتضح لنا أن الوصف القرآني لمراحل الجنين في الإنسان يبلغ من الدقة والشمول والكمال ما لم يبلغه العلم الحديث‏,‏ وهذا الوصف الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا‏,‏ في زمن لم يكن متوفرا فيه أي من وسائل الرؤية‏,‏ أو التكبير‏,‏ أو التصوير يعتبر من أعظم جوانب الإعجاز العلمي في كتاب الله‏,‏ وهو إعجاز يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه المحيط بكل شيء‏,‏ علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية‏..‏ وإلي أن يرث الله تعالي الأرض ومن عليها‏.‏


منقول للفائدة
dahb
dahb
عضو فضي
عضو فضي
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 1756
النقاط : 2170
MMS : من اسرار القران الكريم.............. Mms-11

هام رد: من اسرار القران الكريم..............

الخميس مارس 01, 2012 12:17 am
جزاك كل خير وجعله فى ميزان اعمالك اخى بسام
arwaa
arwaa
وسام الإبداع
وسام الإبداع
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 1219
المزاج : لااتحمل عدم فهمي بصورة صحيحة
النقاط : 1688
العمل : مدرسة
MMS : من اسرار القران الكريم.............. Akerth

هام رد: من اسرار القران الكريم..............

الخميس مارس 01, 2012 12:31 am
يسب
the prince
the prince
عضو متميز
عضو متميز
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1023
العمر : 38
تاريخ الميلاد : 01/01/1986
النقاط : 1274
العمل : ماجستير كيمياء عضوية
MMS : من اسرار القران الكريم.............. 6

هام رد: من اسرار القران الكريم..............

الخميس مارس 01, 2012 12:47 am
وجزاكم الله مثله وافضل تحياتي الكم منورين الموضوع...............
غسق
غسق
عضو فضي
عضو فضي
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 1857
المزاج : من رضى بقدرى اعطيته على قدرى
العمر : 34
تاريخ الميلاد : 26/03/1990
النقاط : 2518
العمل : مدرسه
MMS : من اسرار القران الكريم.............. Mms-11

هام رد: من اسرار القران الكريم..............

الخميس مارس 01, 2012 8:31 pm
جزاك الله خيرا ووفقك لما يحبه ويرضاه
the prince
the prince
عضو متميز
عضو متميز
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1023
العمر : 38
تاريخ الميلاد : 01/01/1986
النقاط : 1274
العمل : ماجستير كيمياء عضوية
MMS : من اسرار القران الكريم.............. 6

هام رد: من اسرار القران الكريم..............

الخميس مارس 01, 2012 9:06 pm
اجمعين شكرا غسوقة على المرور اسعدني مروركي.....................
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى