اهلا وسهلا بك من جديد زائر آخر زيارة لك كانت في مجموع مساهماتك 85 آخر عضو مسجل Amwry فمرحباً به


اذهب الى الأسفل
Maestro
Maestro
وسام التواصل
وسام التواصل
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 587
المزاج : تمام
العمر : 31
تاريخ الميلاد : 29/07/1992
النقاط : 1584
العمل : مصمم من الدرجة الاولى
MMS :  عودة الدهشة 6

 عودة الدهشة Empty عودة الدهشة

الخميس أبريل 18, 2013 7:10 pm

ربما يكون من مهمة الأدب تقديم مفردات الحياة اليومية العادية التي
ألفتها العين وشبع منها الشعور بصورة جديدة تجعل المتلقي يعيد طرح الأسئلة
عن كل ما حوله، وربما يكون الأدب بلا جدوى إذا لم يستطع أن يرجع للقارئ
دهشته الطفولية التي تتلقى الأشياء من حولها بعين بكر وحاسة يانعة .

ربما هذه واحدة من مهمات الأدب التي تجعل القارئ في حالة ذهول إزاء
الكون، وكأنه يختبر شعوره بالأشياء من جديد، أو كأنه ما زال لا يعرف أن
النار تحرق، فيقترب منها ويبتعد مرة تلو أخرى إلى أن تكويه بلظاها، فيدرك
من جديد حقيقة النار .

هذا النوع من الأدب الذي يعلق فينا كما لو أننا نعيد قراءته كل يوم مرات
كثيرة، ونكاد لا ننسى تفاصيله، أو على الأقل بعضها، هو بالضرورة نتاج
قريحة كاتب يستوعب اللغة ويعرف مفرداتها كما يعرف الطريق إلى بيته، لكنه في
الوقت ذاته ما زال مصاباً بالدهشة الأولى، دهشة رؤية الأشياء كما لو أنه
لم يرها من قبل .

لذلك ربما لا يستغرب المرء منا حين يقرأ رواية أو قصة تدور أحداثها في
مجتمع النمل، ولا يمثل النمل فيها شخصيات تحمل إسقاطات الكاتب وحسب، بل
يعيش بوصفه نملاً يمارس دوره في الحياة كما هي، كائنات من زجاج .

هذا الكاتب بالضرورة ليس مثل الإنسان العادي، يمر عن النملة ويرفع خطاه
عنها خشية أن تتهشم، أو لا يأبه بها فتتلاشى تحت قدميه ويمضي، هذا كاتب
تستوقفه الأشياء كلها، وتطرح الأسئلة عليه وهو يطرح الأسئلة عليها، فالنملة
التي لا تمثل للإنسان العادي أي شيء سوى حشرة مسالمة محايدة تجيد جمع
الحبوب وفتات الخبز والثمار، تمثل لهذا الكاتب شخصية محايدة تعرف دورها في
الحياة وتمثل في نظره شخصية الفرد المحكوم بنظام واحد، الذي يمارس الدور
الذي خلق لأجله دون كلل، فيعيش الحياة كما لو أنها لن تنتهي .

كل ذلك وأكثر بالضرورة كان انشغال الكتّاب الذين أنتجوا أدباً يظل
يعيدنا إلى حقيقتنا الأولى، حقيقة المتسائل الذي لم يدجن اليومي روحه، وظل
برياً مشاغباً متسائلاً يفرح بالإجابة كما لو أنه اكتشف الكون .

من هذا المنظور قدمت لنا الأسطورة بوصفها جنساً أدبياً، وكذلك الأدب
العربي والغربي، قدّم نصوصاً كان صغير الأشياء محورها، وكبير الأفكار
غايتها، فتروي لنا مثالاً الحكايات الشعبية القديمة في أوروبا الشمالية،
كيف خُلق النمل من خلال هذا السرد: “كانت الآلهة تعاقب كل من يسرق المحاصيل
من المزارع بتحويله إلى نملة، ومنذ حينها ومع توالي اللصوص وتحويلهم صار
على الأرض جنس النمل الذي نراه اليوم” .

كم نحتاج اليوم لأدب حقيقي يعيد لنا دهشة مفقودة، نتساءل فيها عن أعشاش الطيور، وقامات الشجر السامقة، ولون الحمام البري؟

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى